فلسطيـن في العصر الأمـوي اعداد / هاني جودة



بحث حول/
فلسطيـن
في
العصر الأمـوي


اعداد / هاني جودة
























لم يكن كل العصر الإسلامي مثالياً، بل لطالما شابته الشوائب، وتخللته المؤامرات، ولعل خير دليل على ذلك هو انتصار معاوية بن سفيان على عليَّ بن أبي طالب، مؤسساً بذلك الدولة الأموية.
تُنسب الدولة الأموية إلى أُمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وكان سيداً من سادات قريش ومتنافساً مع ابن عمه، هاشم بن عبد مناف، على الرياسة والشرف، وقد تجمع لأُمية عناصر السلطان في الجاهلية، فهو من أرومة جيدة، وله مال كثير، وعشرة من الأولاد النجباء، وإذا تجمعت لشخص هذه العناصر في الجاهلية يكون قد ضمن الشرف.(1(
ظل التنافس قائماً بين بني هاشم وبني أُمية، إلى أن دخل بنو هاشم الإسلام، وانقلبت العلاقة بينهما إلى عداء ظاهر، حيث وقف بنو أُمية موقفاً حازماً ضد الرسول، ودعوته، ولم يدخل بنو أُمية الإسلام، إلا بعد أن سُدت كل الطرق في  بألف من المؤمنين، يدخل بهم مكة، وبهذا كانeوجوههم، وذلك عندما زحف محمد  بنو أُمية من أشد أعداء الإسلام، ومن المتأخرين في الدخول فيه، ولكن ما إن دخلوا فيه، حتى أظهروا بطولة رائعة. وقد فقد أبو سفيان، زعيم أُمية، إحدى عينيه، وهو يشترك مع الرسول، في إحدى غزواته، ثم فقد الأخرى في موقعة اليرموك، وهو يقاتل تحت إمرة ابنه يزيد. ويروى أن زوجته كانت تشترك في حروب الفتوح.(2)
 
راضى بني أمية، وجعل لهم امتيازات خاصة، فقال عند دخوله مكةeكما أن النبي  "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن"، وأعطى من غنائم حنين لكل من أبي سفيان، وابنه معاوية مائة بعير، ليتآلفا، فكانا ضمن المؤلفة قلوبهم، وأصبح معاوية من كُتاب وحي النبي.(3)
كان يزيد بن أبي سفيان قائد أحد الجيوش الأربعة، التي وجهها أبو بكر لفتح الشام، وجعل يزيد من دمشق وجهته، ولما أراد أبو بكر أن يرسل مدداً لهذه الجيوش، كان معاوية على رأس المدد الذي أرسله ليزيد، وحارب معاوية تحت إمرة أخيه. وتولى الفيلق الذي فتح صيدا وبيروت وغيرهما من مدن سواحل الشام. ولما تم النصر للمسلمين، في عهد عمر، ولى يزيد ولاية دمشق، وجعل معاوية والياً على الأردن، وتوفي يزيد، في طاعون عمواس، في عهد عمر، فضم معاوية ولاية دمشق إلى ولايته.(4(
تطلع بنو أُمية للخلافة، منذ عهدها الباكر، على أنه لم يكن لهم فيها أمل، في عهد أبي بكر، وعمر. ودخل معاوية على أبيه، حينما استعمله عمر على الشام، فقال له أبوه: "يا بنيّ إن هؤلاء الرهط من المهاجرين سبقونا، وتأخرنا، فرفعهم سبقهم، وقصر بنا تأخرنا، فصرنا أتباعاً، فصاروا قادة، وقد قلدوك جسيماً من أمرهم، فلا تخالفن أمرهم، فانك تجري إلى أمد لن تبلغه، وإن بلغته لتنفست فيه".
واستجاب معاوية لرأي والده، الذي نصحه، فأحسن السيرة، ومهد لنفسه في الشام.(5(
بعد ما تولى عثمان الخلافة، انفجرت أسباب السخط في ولايات شتى، ودعا الثائرون إلى إصلاح أحوال المسلمين، وتخفيف الفروق بين الأغنياء والفقراء، بزعم أن العرب الذين نزحوا إلى الولايات المفتوحة حصلوا على ثروات كبيرة، في حين كان إلى جوارهم بعض المسلمون يحيون حياة أقرب إلى التقشف. وتجمع أهل الكوفة والبصرة ومصر وضربوا حصاراً حول دار عثمان (شوال 35هـ/665م) أربعين يوماً، ثم دخلوا دار عثمان، يتقدمهم محمد بن أبي بكر، وقتلوه، يوم الجمعة، الثامن عشر من ذي الحجة سنة 35 هـ/ 656م. بمقتل عثمان، تمت مبايعة علي بن أبي طالب، وبايعه أهل مصر والكوفة والبصرة، ولكن معاوية، الذي كان والياً على الشام، رفض مبايعته، ودعا أهل الشام ورؤساء الأجناد، لتحريضهم على الوفاء للخليفة المظلوم (عثمان) والطلب بدمه. وهنا ظهر عمرو بن العاص، الذي وجد على عثمان، حين عزله عن مصر، فلما اندلعت الثورة على عثمان، كان ابن العاص من المعارضين لعثمان، وعندما وصلت الثورة إلى غايتها، آثر ابن العاص أن يعتزلها، فخرج إلى أرض يملكها بفلسطين، وأقام بها، ولما جاءه نبأ مقتل عثمان، قال، "ما حككت قرحة إلا وأدميتها". وانضم ابن العاص إلى معاوية، حيث اجتمعت المصلحة بينهما، فعمرو أراد ولاية مصر، فيما أدرك معاوية بأن عمرو داهية من دواهي العرب، وشيخاً ذا مكانة من شيوخ قريش، وهو صاحب حرب ومكيدة، فتح فلسطين ومصر، واطمأن عمر بن الخطاب إليه، منذ فتح مصر. فضمه معاوية إلى معاونيه. واتسم معاوية بالدهاء، يُعطي الناس ما وسعه إعطاءهم، ويصل الذين يريد أن يتألفهم من الرؤساء والقادة، لا يجد في ذلك بأساً. فكان الطامعون يجدون عنده ما يريدون. فيما يجد الزاهدون عند عليّ ما يُحبون. وإذا كان معاوية يعتمد على مذهبه هذا في السياسة، ويعلم بأنه سيضم إليه كل من له أرب في الدنيا، ثم لم يكن يقف صلاته على أهل الشام، وإنما كانت له عيون في العراق، يرغبون ويرهِّبون، ويوصلون الأموال، سراً، ولم يكن يحرص عليّ (كرم الله وجهه) على شيء. كما كان يحرص على الأمانة في المال، وعلى الوفاء بالعهد، ولم يبغض شيء، كما كان يبغض وضع درهم في بيت المال في غير موضعه.(6(
يعد علي بن أبي طالب من أخطر فرسان المسلمين، فهو المحارب الذي لم يهزم، أبداً، حتى حين نشب القتال بينه وبين معاوية، الذي كان يعد جيش الشام، إعداداً مبيتاً لهذه المعركة الفاصلة، انتصر عليّ، حتى اضطر جيش معاوية أن يرفع المصاحف على الحراب، طلباً لوقف القتال، والاحتكام للقرآن. وعندما طعن عبد الرحمن بن ملجم الحميري عليّ بن أبي طالب، خلا الأمر لمعاوية.(7(
هكذا نجح الإسلام في تقويض المجتمع العبودي، وحاول الخلفاء الراشدون بناء مجتمع مثالي فيما أدت تحالفات الخليفة الثاني، عمر بن الخطاب، إلى تعزيز موقع بني أُمية في النظام الحاكم، ثم أعطى عثمان بني أُمية دفعات قوية إلى الأمام، وحاباهم، في المال والسلطة، وحين وصل إلى موقع الخليفة عليّ بن أبي طالب، جوبه بمعارضة قوية من ممثلي الإقطاع، المتمثلين في بني أُمية الذين استقووا بالمؤامرات، فيما لاذ عليّ بالأساليب المبدئية، في الصراع مع بني أُمية، فكانت الغلبة للآخرين، على النحو المعروف.
بدأت فلسطين مرحلة جديدة من مراحل حياتها، حين أعلن معاوية بن أبي سفيان نفسه خليفة، واستهل عهده بالذهاب إلى بيت المقدس، حيث أعلن خلافته، في العام 40هـ/661م.(8(
بعد مقتل عليّ، قامت بعض المحاولات من أجل البيعة للحسن بن علي. وقد بويع، بالفعل، من بعض الشيعة، لكن الحسن كان قد عاصر المشكلات التي عاناها أبوه، وعرف أن أباه لم يستطع التغلب عليها، وإذا كان البطل قد عجز عن حل المشكلات، فما أجدى بالحسن أن يطلب السلامة، إيماناً منه بأن تيار الأحداث كان أقوى منه. وتم الصلح بين معاوية والحسن، وتنازل الثاني للأول عن الخلافة، مقابل بعض الشروط، عام 41هـ/ 662م.(9(
انقسمت الشام، في العصر الأموي إلى أجناد خمسة، هي: جند دمشق، وجند حمص، وجند فلسطين، وجند الأردن، وجند قنسرين. وتبعت جند فلسطين أقاليم التيه والجفار، وكلاهما على الحدود مع مصر. وكانت اللد عاصمة هذا الجند، وعندما أنشأ الخليفة الأموي، سليمان بن عبد الملك، مدينة الرملة جعلها العاصمة الجديدة للجند. وأكبر مدن جند فلسطين هي القدس. ورغم ضيق مساحتها، فإن بها حوالي عشرين مسجداً. وجند فلسطين هي أخصب سورية. ومن مدنها عسقلان والرملة وغزة وأرسوف وقيسارية ونابلس وأريحا وعمان ويافا وبيت جبرين. ومعظم أراضيها جبلية، والسهول فيها قليلة، وجند الأردن يتبعه كور الغور، المنطقة الواقعة حول البحر الميت، وعاصمة هذا الجند طبرية، ويتبع الجند السامرة (نابلس) وبيسان وصفد وجرش وعكا وصور.(10(
حين تولى معاوية بن سفيان الخلافة، جعل من دمشق عاصمة لخلافته، وتولى حسان بن مالك جند فلسطين والأردن، فيما كانت فلسطين، عند قيام الفتح الإسلامي، تضم عناصر سكانية متعددة، من الروم، والفرس، والزنج، واليهود، والسامرة، فيما كان العرب أهم هذه العناصر، وكانوا قبائل انتشرت في جنوب فلسطين، وشرقها، وفي البادية. وهم، في الغالب، من العرب المستعربة، مثل قبائل غسان ولخم وجذام وعاملة، والقسين، وبهراء وكلب، وسواها. وكان عدد كبير من أفراد هذه القبائل يدين بالنصرانية، ووقف بعضهم، إبان الفتح، إلى جانب الروم، والبيزنطيين، وتحولوا بعد ذلك إلى الإسلام. وقد نزل الأمويون في بقاع مختلفة من جندي الأردن وفلسطين، في أبلة ومعان والبلقاء ووادي الأردن والساحل الفلسطيني وبئر السبع، كذلك نزلت جماعة بني مخزوم في منطقة غزة. وعمل بنو أُمية على ائتلاف هذه القبائل، إذ كان لبعضها علاقات تجارية مع الأمويين، قبل الإسلام. ومعاوية، منذ أن كان والياً على الشام، أنزل العرب بمواضيع نائية عن المدن والقرى، ومنحهم حق استغلال الأراضي، التي لا حق فيها لأحد، ثم ما لبث أن ملكهم إياها. وسار خلفاؤه، من بعده، على هذه السياسة، الأمر الذي أدى إلى نشوء إقطاع عربي واسع في بلاد الشام عموماً، وفي فلسطين بخاصة.(11(
إلى جانب طبقة المسلمين العرب، ثمة فئة ثانية من الأهالي، هي فئة الموالي، وهم المسلمون من الأعاجم، ومعظمهم من الأراميين والسريان، وهم السكان الأصليين، الذين اعتنقوا الإسلام، وكان رأب هؤلاء أن يلتحقوا ببعض القبائل العربية، عن طريق الولاء، فيعتبرون من أفرادها، ويحتسبون من مواليها، لكن التحاقهم بالعرب، على هذه الصورة، أدى إلى اعتبارهم الطبقة الاجتماعية الدُنيا في البيئة الإسلامية، فامتعضوا لذلك، أشد الامتعاض، وأظهروا هذه المرارة، التي ملأت نفوسهم، بانحيازهم إلى الشيعة في العراق، وإلى الخوارج في فارس. ولقد كان الموالي هم السابقين في المجتمع الإسلامي إلى تركيز جهودهم على العناية بالأبحاث العلمية والفنون الجميلة. وما أن أظهروا تفوقهم على العرب في ميدان العلم والفكر، حتى أخذوا ينافسونهم في تولي الزعامة السياسية، ثم نتج عن اختلاط الموالي بالعرب، عن طريق الزواج، إلى تهجين الدم العربي، وحتى آل الأمر، أخيراً، إلى إطلاق لفظة "عربي" على جميع المسلمين، الذين تحدثوا العربية، دون اعتبار العِرق، الذي تحدروا منه.(12(
أما السكان غير المسلمين، فكانوا في عداد أهل الذمة، والمراد بهم اليهود، والنصارى، ذلك أن الإسلام شملهم بالأمان، وصانهم بالعهود، والمواثيق، وكان يُفرض على أهل الذمة الجزية، واستثني منها الأطفال والنساء والشيوخ ورجال الدين والفقراء والمرضى وسواهم. وكان معاوية، وابنه يزيد، ومن بعدهما عبد الملك، وسواهم من خلفاء بني أُمية، يعتمدون أهل الذمة في إدارة الدولة، فقد كان سرجون بن منصور من موالي معاوية، ويكتب له الديوان، وخلفه ابن يوحنا (يوحنا الدمشقي) في خدمة معاوية، ثم ابنه يزيد. وإلى جانب النصارى كان هناك قلة من اليهود، والسامرة، وكان النصارى يقيمون في المدن، خاصة بيت المقدس والمدن الساحلية عدا الأديرة، أما السامرة فكانوا يقيمون في مدينة نابلس والرملة، فيما تشتت اليهود في بعض المدن، باستثناء بيت المقدس أما الطبقة الرابعة في المجتمع فكانت طبقة الرقيق.(13(
التنظيم الإداري:
وضع أبو بكر الصديق أولى لبنات التنظيم الإداري للدولة، حيث قال في خطابه للمسلمين: "لابد لكم من رجل، يلي أمركم، ويصلي بكم، ويقاتل عدوكم". لكن عمر بن الخطاب هو الذي وضع أُسس النظام الإداري لدولة الإسلام، وقرر مبدأ مركزية السلطة، معتبراً بأن الخليفة هو المسؤول الأول عن إدارة شؤون الدولة، وفق مبادئ الدين الجديد، لذا نهج نهجاً إدارياً، خلاصته أن يلي أمور الأقاليم مسؤول، مسؤولية مباشرة، أمامه.
وسار عثمان على نهج عمر، ولكنه انساق مع مطامع بعض أقربائه من أفراد العائلة الأموية الذين استغلوا صلة قرباهم به ليحققوا المكاسب لأنفسهم ويتولوا أعلى المناصب، الأمر الذي كان من جملة الأسباب التي أدت إلى الثورة على عثمان. ولأن عهد الخلفاء الراشدين، ولا سيما عمر بن الخطاب، امتلأ بالفتوحات، لذا لم يستقر التنظيم الإداري، ويأخذ شكله النهائي، إلا في العهد الأموي.(14(
في خلافة أبي بكر ظهرت فكرة مركزية السلطة، وظهر ذلك باعتبار الخليفة، رئيس الدولة، له حق اختيار من يشاء، لتصريف شؤون الإدارة والحكم، وهو المسؤول الأول عن أعمال من يختارهم، لأنهم خاضعون له ويعملون باسمه. ودافع أبو بكر دفاعاً مستميتاً عن مركزية السلطة، وأرادت بعض القبائل أن تنتقل بواردات الزكاة، وألا ترسلها إلى المدينة، فرفض أبو بكر، وأقسم بأنهم لو منعوه عقال  لقاتلهم من أجله. وسار على نهج أبوeبعير، كانوا يعطونه إلى رسول الله  بكر كل من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، إلا أن خلفاء بني أُمية، وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان، اتبعوا اللامركزية، في الإدارة سبيلاً لإعادة الاستقرار في الدولة الإسلامية، في ظل ظروف نجمت عن مقتل عثمان، والصراع على السلطة بينه وبين ابن أبي طالب، وبروز العصبية الإقليمية، التي تمثلت، بشكل واضح، في اتساع شقه الخلاف بين الشام والعراق، هذا فضلاً عن رغبة معاوية في توسيع رقعة الدولة، واستكمال عملية الفتوح في أقاليم تبعد عن العاصمة، دمشق، كثيراً. كما أن العمل الإداري في الأقاليم والأجناد لم يكن مسؤولية الوالي، وحده، بل كان يعاونه موظفون، يقيمون معه في الجند، ويمثلون مختلف الوظائف التي تشكل مما كان يُعرف "بالديوان"، الذي أسسه معاوية، وهو مكتب حكومي مهمته أن يستخرج نسخة من كل وثيقة رسمية، قبل أن تُختم، وترسل في سبيلها.(15(
بيد أنه يعزى إلى ابن الخطاب وضع أُسس الإدارة المالية، وحين دوَّن الدواوين أفرد للأُمور المالية ديواناً خاصاً، وقد أُنشئ لديوان الجند في الأردن وفلسطين ديوان خاص، أتت أهم موارده من الزكاة، والخراج، والجزية، والعشور. أما الزكاة فتفرض على المسلمين، فيما تؤخذ الجزية على رؤوس أهل الذمة. وأهل الذمة في الأردن وفلسطين، هم النصارى واليهود والسامرة، فيما الخراج هو الضريبة على الأرض الزراعية والعشور الضريبة على التجارة التي تقدم على ديار المسلمين. ويقابل هذه الواردات نفقات تترتب على بيت المال. وقد اشتملت سجلات بيت المال على جانب النفقات كما اشتملت على جانب الواردات، وأهم وجوه النفقات هي العطاء، وهو المال الذي تفرضه الدولة للمسلمين المثبتين بالديوان، وفي خلافة بني أُمية كان العطاء بين الزيادة والنقصان، وقد زاد معاوية العطاء لأهل الشام.(16(
الصناعة والزراعة:
في مجال الصناعة اشتهرت الشام، عموماً، ومدنها القديمة بصناعة الخزف، وقد حافظت على هذه الشهرة على مدى عصور التاريخ الإسلامي، وبخاصة الخزف المنقوش، وكذلك الزجاج، وقد وصف زجاج الشام العديد من الرحالة، وضُرب به المثل في الرقة، والصفاء، حتى قيل "أرق من زجاج الشام"، أو "أصفى من زجاج الشام"، وقد مهروا في زخرفته بالذهب وتلوينه بألوان زاهية، وبلغوا درجة كبيرة في الإتقان في ذلك، وكان الزجاج الملون يصدَّر إلى بقاع شتى في العالم. وكانت صناعة الفسيفساء من أشهر صناعات بلاد الشام. وقد شاهد الرحالة المقدسي جدران وأروقة المسجد الحرام وقد زينت بالفسيفساء من أشهر صناعات بلاد الشام، وكذلك امتازت الشام بصناعة الأقمشة الحريرية (الدمقس أو الدمسكو) ويذكر أن طبرية كانت تنسج نسيجاً أبيض تصنعه ثياباً، وكان ثمن الثوب منه أربعمائة درهم، لجودته، ومن الصناعات التي اشتهرت، صناعة الحرير. واشتهرت طبرية بصناعة الورق هذا فضلاً عن صناعات أخرى: كصناعة السكر، على الساحل، بالقرب من عكا، وصناعة السفن، في عكا، وصناعة السُبح في القدس، أما الزراعة، فقد وفرت، فترة صدر الإسلام وخلافة بني أُمية للشام، الأمن والاستقرار، ونجحت إلى حد كبير، في إيقاف الصراع بين البدو والزرَّاع، وأحلت التعاون بين الجانبين، كما توفرت الأموال اللازمة للاستثمار والتطوير، وهيأت السُبل اللازمة لعناية أفضل بمنشآت الري، وتوسيع نطاق الأرض المزروعة المعتمدة على نظام دائم للري. هذا فضلاً عن إدخال زراعات جديدة، والاتجاه إلى الاهتمام بالمزروعات التي تصلح للتسويق لا للاستهلاك فحسب، كقصب السكر، والقطن، وسواهما.(17(
الثروة الحيوانية:
كانت الثروة الحيوانية في فلسطين متنوعة، فقد كانت الأغنام تُربى في منطقة عمان، كما انتشرت تربية الجاموس، من شمال الشام إلى جنوبها، واعتمد أهالي فلسطين في غذائهم على لحمه ولبنه، واستخدم الجاموس في مناطق كثيرة للأعمال الزراعية. أما البقر فلم يكن لحمه مستساغاً، وكان يُربى للانتفاع بلبنه، واهتم أهالي الشام، ومنهم أهل فلسطين، بتربية الخيل، والبغال، والحمير، ومن الطيور اهتموا بتربية الأوز، والدجاج، والحمام، كما برعوا في تربية النحل، لاستخراج العسل، وكان العسل عندهم أنواعاً عدة، وأفضله من نبات السعتر (الزعتر) في الأراضي المحيطة بالقدس، وجبل عاملة، أما السمك فكانوا يستخرجونه من بحيرة طبريا، وخليج العقبة.(18(
الحياة الفكرية والعمرانية:
من أهم مظاهر التحول الفكري في فلسطين، بعد الفتح، هو تضاؤل، ومن ثم انحسار الثقافة الهلينية والسريانية، وحلول الفكر العربي الإسلامي محلها. والشام من أقدم مراكز الحضارة في العالم، وإن أرضها شهدت عملية تمازج ثقافي دائم، إذ التقت على أرضها حضارة الفراعنة والكنعانيين وفكرهم ومنجزاتهم، بحضارات بلاد ما بين النهرين، ومن ثم باليونان، والرومان، الذين أقاموا وجوداً سياسياً على أرضها، وخلَّفوا وراءهم آثار مادية.(19(
النقود:
كان العرب، قبل الإسلام، يعرفون الدراهم الساسانية والبيزنطية، ويستعملونها، وذلك بسبب اتجارهم مع البلدان التي كانت تستعمل نقود هاتين الإمبراطوريتين، وأول من ضرب الدراهم والدنانير العربية في الإسلام هو الخليفة عبد الملك بن مروان وقد سميت الدنانير التي ضربها عبد الملك "الدمشقية". ويذكر أن عبد الملك أصدر ديناراً عربياً، عام 74هـ ـ 693م "عليه صورة ترمز إلى الخليفة، واقفاً، يهم باستلال سيفه من غمده، رمزاً للتحدي القوي لإمبراطور القسطنطينية، الذي كان طامعاً باسترداد مدن الشام".(20(
الوراثة في الدولة الأموية:
بدأ معاوية بالمبايعة لابنه يزيد سنة 49هـ/ 670م. ويروى أن معاوية كتب إلى المغيرة بن شعبة، وكان والياً على الكوفة، آنذاك، يقول: "إذا قرأت كتابي، فأقبل معزولاً"، فأبطأ المغيرة على معاوية، فلما حضر، سأله: "ما بطَّأ بك". فأجاب: "أمر كنت أوطئه، وأهيئه"، قال: وما هو، قال، "البيعة ليزيد من بعدك"، قال: أوقد فعلت، قال: نعم، قال معاوية: "إرجع إلى عملك". وتربى يزيد بن معاوية في فلسطين مع أمه، ميسون بنت بحدل، وكان شاعراً، ونشأ في البادية، حيث أجاد اللغة، والأدب، والصيد. وبعد توليه الحكم، أراد يزيد أن تتم له بيعة الحسين، ولكن أهل الكوفة أرسلوا إلى الحسين يدعونه للسير إليهم، ووعدوه بالبيعة، لكن ابن عباس نصحه قائلاً: "إن أهل العراق قوم غدر، فلا تقربنهم". وفي طريقه للكوفة، قابله الفرزدق، وعبد الله بن مطيع العدوي، ونصحوه بالعودة، ولكنه أهمل النصائح.(21(
في العاشر من محرم سنة 61 هـ/ 682م، نشب القتال بين جيش العراق. ولم يكن به أحد من أهل الشام. وبين مقاتلي الحسين، في معركة غير متكافئة، قُتل فيها الحسين، ودفن جسده بكربلاء، أما رأسه فقد أُرسلت إلى يزيد بن معاوية، في الشام.
ويذكر أن رأس الحسين دفن بعسقلان في فلسطين، ونقلته الدولة الفاطمية إلى القاهرة، عندما حكمت مصر.(22(
بوفاة يزيد بن معاوية، بويع بالخلافة لابنه، معاوية الثاني، وكان في زمانه بيعتان، إحداهما لمعاوية الثاني في الشام، والأخرى في الحجاز، لعبد الله بن الزبير، ولكن معاوية الثاني كان مريضاً، فتنازل عن الخلافة، ولم تطل خلافته أكثر من ثلاثة أشهر، وانزوى في بيته، ومات، بعد أربعين يوماً.(23(
اضطربت الأفكار في سورية وفلسطين، واتجهت الأنظار نحو الحجاز، بعد تنازل معاوية الثاني عن الخلافة، وأجمع أمراء سورية على مبايعة عبد الله بن الزبير، ما عدا أمير فلسطين، حسان بن مالك بن بحدل، وعندما أراد شيخ بني أُمية، جروان بن الحكم، مبايعة الزبير، أشار عليه عبيد الله بن زياد بأن يطلب الخلافة لنفسه، ونصره أمير فلسطين، وهو خال يزيد بن معاوية، ودعا روح بن زنباع، واستخلفه على فلسطين، وقال له: "إني أرى أمراء الأجناد يبايعون لابن الزبير، وأبناء قيس بالأردن كثير، وهم قومي، فأنا خارج إليهم، وأقم أنت بفلسطين، فإن جل أهلها قومك، من لخم وجذام. وسار بن بحدل إلى الأردن، فأخذ بيعتهم، وثار نائل بن قيس الجذامي، وأخرج ابن زيناع من فلسطين، فالتحق بالأردن، وبايع نائل لابن الزبير، فأرسل حسان كتاباً إلى الضحَّاك بن قيس، أمير دمشق، فلم يستجب له، فذهب إلى الجابية، وقابل بني أُمية هناك، وبايعوا مروان بن الحكم، وذهبوا إلى الضحاك، وحاربوه، في مرج وراهط، وكانت هذه المعركة بين قيس ويمن، وهما أكبر القبائل في الشام، وظفروا به، ففر نائل الجذامي إلى الحجاز، وعاد روح بن زنباع إلى فلسطين، ثم توجه مروان إلى مصر، ففتحها، وبايع أهلها، ورجع إلى قرية السمراء، قرب طبرية، فشكر حسان، وأثنى عليه، وعاد إلى دمشق، عاصمة ولايته، وعهد مروان بالخلافة لابن عبد الملك، وبعده لعبد العزيز. وعندما تولى عبد الملك بن مروان الخلافة، اعترضته أمور شاقة: ثورات داخلية، الخوارج، شيعة علي، ومناظرة ابن الزبير، ومنافسة عمرو بن السعيد.(24(
قبة الصخرة:
عمل ابن الزبير على بسط نفوذه على الجزيرة العربية، والمناطق الأفريقية، وجعل مكة مركز حكومته، وخشي عبد الملك من ضياع عرشه، خاصة عندما رأى الجموع الغفيرة من المسلمين تحج، سنوياً، إلى الكعبة، وكذلك عندما شعر بأن مركز ابن الزبير الديني والسياسي، قد أخذ ينشر في جميع البلاد الإسلامية، فمنع عبد الملك أهالي سوريا من الحج إلى مكة، بحجة أن عبد الله بن الزبير كان يجبرهم، أثناء الحج على مبايعته، ولكن الناس كانوا يتذمرون، قائلين: "كيف تمنعنا من الحج إلى بيت الله، مع أن هذه فريضة علينا". ولكن الخليفة أجاب:  لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث، المسجد الحرام في مكة، ومسجدي فيe"قال  المدينة، والمسجد الأقصى في القدس".(25(
ذهب عبد الملك بن مروان بنفسه من دمشق إلى القدس، ومن هناك أرسل رسائل إلى جميع المناطق، وحكام المدن يستشيرهم في بناء قبة الصخرة المقدسة، ليقي المسلمين من البرد والحر، كما يرغب، أيضاً، في بناء مسجد، ولكنه لا يرغب في أن يقوم بهذا العمل، دون استشارة رعيته، فأتته جميع الرسائل من حكام المناطق، تؤكد رضا الرعية التام، وبأنهم يعتبرون قصده مقصداً دينياً. فكلف الخليفة رجاء بن حيوة، ويزيد بن الإسلام بالإشراف على بنائه، فوضعا خارطة لبناء صحن منطقة الحرم. وأمرهما بأن يبنيا بيتاً للمال، في الجهة الشرقية من الصخرة، وقد أوقف على نفقات هذه الأبنية دخل مصر، لمدة سبع سنوات وبدأ عبد الملك بناءه في 69هـ، وأتمه عام 72هـ، وبعد أن أتم رجاء ويزيد البناء، بقي معهما 100,000 دينار ذهب، فأخبرا الخليفة، الذي أمر بها، مكافأة لهم، ولكنهما رفضاها، فأمر الخليفة بصهر الذهب، واستعماله في زخرفة القبة.(26(
في سنة 72هـ/ 693م، توجه الحجاج بن يوسف الثقفي إلى الحجاز، ليقضي على ابن الزبير، فذهب واحتل المدينة، وحاصر مكة، وخرَّبها بالمجانيق، وأضر بالكعبة، وقسم حراسة أبواب المسجد على البلدان، فأخذ أهل الأردن باب الصفا، وأهل فلسطين باب بن جُمع، وفي هذه الحرب كما هو معروف قُتل عبد الله بن الزبير، ودانت البلاد لعبد الملك، الذي توفى ولي عهده، عبد العزيز، 85هـ، فعهد بالخلافة، من بعده، لابنيه الوليد، ثم سليمان.(27(
عندما تولى الوليد بن عبد الملك الخلافة، هرب يزيد بن الملهب، وقدم فلسطين، فنزل على وهيب بن عبد الرحمن الأزدي، الذي أخذه إلى سليمان بن عبد الملك، في الرملة، وتشفع فيه، ونجاه، وبعد وفاة الوليد، تمت البيعة لأخيه، سليمان، وهو في مدينة الرملة، فبايعه الناس، وهو على سطوح الصخرة، وهم أن يحول عاصمته من دمشق إلى الرملة، أو القدس، لكنه عدل عن ذلك، وكان الخليفة الأموي سليمان (715-17)، يقيم في الرملة التي بناها، ولا تزال، مئذنة المسجد الأبيض قائمة، كما رممها المماليك، وغدا هذا المسجد، بعد المسجد الأموي، في دمشق، وقبة الصخرة في القدس، الثالث بين مباني المسلمين الكبرى المقدسة في سوريا.(28)
بلغت السلطة الأموية أوج عزها، في عهد الوليد بن عبد الملك (705-715)، وهناك اثنان من الخلفاء يجدر ذكرهما، من بعده، هما عمر بن عبد العزيز، وهشام بن عبد الملك.(29)
كان عمر (717-20) الخليفة المتعبد الوحيد في عهد اشتهر بطابعه الدنيوي، وقد تأثر بجده لأمه، ثاني الخلفاء الراشدين، (عمر بن الخطاب)، الذي حمل اسمه، ووصف بتقاه وزهده وبساطته، وكان معاوية قد ابتدع هذا كما أن عمر منع النصارى من تقلد مناصب في الدولة.(30)
لما بويع الوليد الثاني كان مقيماً في البرية، فافتتح أعماله بنفي سليمان بن هشام إلى عمان، وأقبل على الشراب بنهم، وجاهر به، وانغمس في الطرب والموسيقى، واقتناء الكلاب المطوّقة بقلائد الذهب، وانتهك حرمة القرآن، فنفر بنو أُمية منه، وتجمع أُمراء قبائل فلسطين، وأقروا خلعه، ومبايعة سواه، فراودوا يزيد بن الوليد، الذي أجابهم إلى طلبهم، وظل متكتماً، إلى أن انتشر الوباء في الشام، فخرج العباس بن الوليد إلى القسطل، وأخوه يزيد إلى بادية الأردن، وأخذ يدعو لنفسه، وبايع الناس سراً، فعلم أخوه العباس، وتهدد أخاه، وأنذره بالسجن، أو إرساله إلى الخليفة، إذا لم يقلع عن عمله هذا، فلم يعقه هذا التهديد، وسار إلى دمشق، خلسة، واحتلها، وبايعه جميع أهلها، وضبط الأموال، والخزائن، وتوافد عليه أعوانه، فقدم أهالي جرش من فلسطين، وغيرهم، وكان الوليد في ضياعه نافراً من الوباء فغضب، وسيَّر جنداً إلى دمشق، حيث انضموا إلى يزيد، ثم سار بنفسه فالتقى العسكرَين، وأسفرت المعركة عن خذلانهم فيها فبايعوا له.
وقد وثب أهالي فلسطين، بتحريض سعيد وضبعان، ولدي روح بن زيناع، على عاملهم، سعيد بن عبد الملك، فأخرجوه، وولوا أمرهم يزيد بن سليمان بن عبد الملك، فدعاهم إلى قتال يزيد، فأجابوه: "لأن أهالي فلسطين كانوا ميالين لأبيه". ولما بلغهم ما فعل أهل فلسطين، ولوا عليهم محمد بن عبد الملك، واجتمعوا معهم على قتال يزيد، والتقى جمعهم في طبرية، قصبة الأردن أما سعيد بن عبد الملك، عامل الوليد بن يزيد على فلسطين. فإنه حين ارتحل عن فلسطين، خرج إلى يزيد بن الوليد، وأعلمه بما آل إليه حال هذا الإقليم، فوجه يزيد إلى أهل فلسطين سليمان بن هشام، على رأس جيش، ليعيدهم إلى طاعة البيت الأموي. وبعث سليمان إلى سعيد وضبعان، ابني روح بن زنباع، وإلى الحكم وراشد ابني جرو بن بلقين، وإلى محمد بن عبد الملك، يمنيهم، ويعدهم إن هم دخلوا في طاعة الخليفة، يزيد بن الوليد: فأجابوا الدعوة، ورحل ضبعان بأهل فلسطين، وتفرق أهل الأردن، فبار أهل طبرية، ونهبوا دواب يزيد بن سليمان، ومحمد بن عبد الملك، ولحقوا بقراهم ومنازلهم، ونزل سليمان بن هشام، بعد ذلك، الحنبرة، وقدم عليه أهل الأردن، فبايعوا ليزيد بن الوليد، ثم دخل طبرية، وتوجه إلى الرملة، وأخذ البيعة على من بها.
واستعمل يزيد بن الوليد على الأردن، أخاه إبراهيم بن الوليد، وعلى فلسطين ضبعان بن روح بن زنباع، إلا أن حكم هذه الخليفة لم يطل، فتوفى، بعد بضعة أشهر، وعهد بالأمر، من بعده، لأخيه، إبراهيم، الذي لم يقو على مواجهة الأحداث، وآل أمر الخلافة، بعد ذلك، إلى مروان بن محمد، آخر خلفاء البيت الأموي، الذي سار إلى دمشق، من أرمينية فخلفه مروان، وأخذ البيعة لنفسه. ثم طلب إلى أهل الشام أن يختاروا لولاية أجنادهم، فأختار "أهل الأردن الوليد بن معاوية بن مروان بن الحكم، ابن أخي عبد الملك، واختار أهل فلسطين، ثابت بن نعيم الجذامي. ولم تمضِ على خلافة مروان ثلاثة أشهر، حتى خالفه أهل الشام، وانتفضوا عليه، بزعامة ثابت بن نعيم، الذي سار إلى مدينة طبرية، وحاصر أهلها واليها الوليد بن معاوية، فقاتله أهلها، أياماً وأرسلوا رسولاً إلى مروان بن محمد، يعلمونه أمرهم، فكتب مروان بن محمد إلى أبي الورد بن الكوثر، وكان في دمشق، بقمع ثورتها، وثورة أهل المزَّة، أن يسير إليهم، فخرج إليهم، وحينما أقترب من طبرية، خرج أهلها على ثابت ومن معه، واستباحوا عسكرهم، فانصرف إلى فلسطين، منهزماً، فجمع قومه، وجنده، ومضى إليه أبو الورد، وهزمه، ثانية، وفرق من معه، وأسر أبو الورد ثلاثة رجال من ولده، وبعث بهم إلى مروان، وهم جرحى، فأمر مروان بمداواة جراحهم، أما ثابت فقد استطاع الهرب، وتغيب معه ابنه الرابع، ودانت فلسطين لمروان، وولى عليها الرماحس وتم القبض على ثابت، بعد شهرين من ولايته، فأرسله إلى مروان، في دمشق، وأمر مروان بثابت وبنيه، الذين كانوا أسرى لديه، فقطعت أيديهم وأرجلهم، وعرضوا في دمشق، وليكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه، الخروج على الخليفة.(31)
وبعد، بانتهاء الخلافة الأموية، خرجت فلسطين من دائرة الضوء، التي وضعها فيها الراشدون والأمويون على التوالي حيث غدت في العهدين ركناً متيناً من أركان الدولة، وعصبتها. فقد نقل الأمويون مقر الخلافة من مكة إلى دمشق، التي كانوا يعرفونها حتى قبل نزول الرسالة من خلال التجارة، وكانت حياة الخلفاء في دمشق حياة بذخ وترف، بالقياس إلى حياة الخلفاء السابقين في مكة، في حين أن حياة الخلفاء الراشدين في مكة بسيطة موسومة بالوقار. وليالي الخلفاء في دمشق حفلت بالأبهة والسمر، ومجالس الأُنس، كما أنهم استمروا التوسع في احتساء الخمور، حتى عرف يزيد بن معاوية "بيزيد الخمور"، لإدمانه على شرب الخمر، كما عُرف عن الوليد الثاني (743-44) بأنه كان يسبح في بركة خمر، ويشرب منها، حتى يهبط مستواها، ويقال إنه فتح القرآن يوماً، فوقعت عيناه على (وخاب كل جبار عنيد)، فغضب غضباً شديداً ورمى الكتاب بنباله حتى مزقه
.

المصادر والمراجع
1- د. أحمد شلبي، "الدولة الأموية نشأتها"، (موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية)، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1984، ص247.
2-
المصدر نفسه، ص30.
3-
عمر الصالح البرغوثي، خليل طوطح، "تاريخ فلسطين"، القدس، مطبعة بيت المقدس، 1923، ص 122.
4-
شلبي، مصدر سبق ذكره، ص 31.
5-
المصدر نفسه، ص 32.
6-
محمد حسين هيكل، "بين الخلافة والملك.. عثمان بن عفان"، القاهرة، دار المعارف، ص 115-124.
7-
أحمد عباس صالح، "اليمين واليسار في الإسلام"، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، د.ت، ص 75-78.
8- "
الموسوعة الفلسطينية"، القسم الثاني، المجلد الثاني، بيروت، 1990، (أنظر: د. نبيه عاقل، "فلسطين من الفتح العربي الإسلامي إلى أواسط القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي" ص 247).
9-
لي سترانج، "فلسطين في العهد الإسلامي"، ترجمة: محمود عمايري، منشورات وزارة الإعلام والثقافة، عمان، 1970، ص 45-46.
10-
عاقل، مصدر سبق ذكره، ص 296-297.
11-
المصدر نفسه، ص 297-299.
12-
د. فيليب حتى، "تاريخ سورية ولبنان وفلسطين"، ترجمة: د. كمال اليازجي، الجزء 2، بيروت، دار الثقافة، 1959، ص 97-101.
13-
المصدر نفسه، ص 99-101.
14-
عاقل، مصدر سبق ذكره، ص 299-303.
15-
المصدر نفسه، ص 302-303.
16-
المصدر نفسه، ص 306-309.
17-
سترانج، مصدر سبق ذكره، ص 90-95.
18-
المصدر نفسه، ص 318.
19-
عاقل، مصدر سبق ذكره، ص 320-321.
20-
المصدر نفسه، ص 313.
21-
شلبي، مصدر سبق ذكره، ص 39-50.
22-
البرغوثي، مصدر سبق ذكره، ص 122-123.
23-
المصدر نفسه، ص 124-128.
24-
المصدر نفسه، ص 124-128.
25-
سترانج، مصدر سبق ذكره، ص 122-125.
26-
البرغوثي، مصدر سبق ذكره، ص 122-125.
27-
المصدر نفسه، ص 125-127.
28-
المصدر نفسه، ص 128-130.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أبحاث ودراسات