الحداثة الممكنة لإدارة الحالة الفلسطينية أ هاني جودة



الحداثة الممكنة لإدارة الحالة الفلسطينية
أ هاني جودة

مما لا شك فيه أن تاريخ القوى الفلسطينية المختلفة إجمالا قد أرفد  اسهامات بالغة الأهمية في دفع عجلة النضال الفلسطيني منذ ما قبل العام 1948م ولقد شهدت حدة الصراع فترات متفاوتة من المد والجزر  أخذت أشكالا تصعيدية وتكتيكية عدة  فلقد انتقل النضال الفلسطيني ابتداء من العشوائية  والمجموعات المتفككة الى وضع الأحزاب القومية ذات الرؤى  الاستراتيجية  والمفعول الزماني والمكاني  وبعدها شهدنا حدث اجماع هذه  القوى تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية  والتي بدورها قادت دفة الصراع مع الاحتلال في بداياتها بالحديد والنار , وهذا لا يعني  أنها شملت كل القوى الفلسطينية بسبب التجاذبات العربية  ورؤية تيارات قومية   لطريقة أنجع لإدارة الصراع مع الاحتلال على كل حال كانت ادارة   المعركة أمام العالم موحدة والأهم هو شكل القرار في إدارة الحداثة الممكنة  لأن في ادارة الحالة الفلسطينية برمتها يأخذ القرار الفلسطيني شكل القرار العربي اجمالا  بشكله ومضمونه , التي ترى أن عملية الاختيار لشكل القرار تتم بطريقة روتينية من خلال اجراءات العمل المنساب دون تحكم  تحت مستوى السياسة العليا المركزية , ومعاييره المعتادة والثابتة لدى أجهزة اتخاذ القرار والتي تحدد أسلوب التقدم فقط اذا نشأ حافز معين  فالقرار العربي الراكد لا ينظر اليه من خلال   مفهوم     الرشادة والعقلانية ولكن ينظر اليه باعتباره نتيجة لمجموعة قواعد وضوابط وأطر ليست نتيجة كماليات ذهنية رشيدة ولكنها نتاج تراضي وتفاعل التسوية الممكنة ربما تتطابق هذه الادارة مع رأي "بريتشر" في أن صانع القرار يتأثر بالبيئة الواقعية التي تتسرب الى تصوراته عن طريق شبكة المعلومات التي تتشكل في ذهنه في ضوء مفاهيمه السائدة والتي منها الايدلوجيا والتقاليد التي تسود المجتمع والتراث التاريخي , وتصورات صانع القرار السياسي هي المدخل الحاسم في القرار السياسي , أي انحصار القرار في يد واحدة وللإنصاف تحاول الحالة العربية بين الفينة والاخرى ادراج عمليات الشورى الديمقراطية ,عبر سن القوانين مجلس الشعب والبرلمانات ولكن حتى هذه المحاولة لا ترتقي لتعميم الديمقراطية في كافة مؤسسات الدولة ولا تؤثر ايضا علي الانماط المجتمعية وللحقيقة ايضا ربما فرض شكل ومضمون الديمقراطية الغربية على المجتمعات العربية يجب ان يراعي الكثير من القواعد والمفاهيم الخاصة بهذه المجتمعات  بمعنى لا يمكن تطبيق الديمقراطية  ذات الشكل الغربي جملة وتفصيلا  بكل ما تحمله في مجتمعات عربية شرقية  لها سماتها وأشكالها الخاصة  وأنا من أنصار فكرة الديمقراطية صاحبة القانون حيث لا تستغل بالإساءة للآخرين تحت مفهوم الحريات .

الحداثة الممكنة

أثارت الأحداث الجارية بالعالم العربي اهتمام وتفاعل العديد من الكتاب والسياسيين حول سؤال ( و ماذا بعد ) ؟  أزهقت مآت الآلاف من الأرواح العربية على ايدي عربية أصبح العالم العربي لعبة لكافة التيارات والتحالفات العالمية ومسرحيا دمويا لمخططات المحيط المجاور والإمبريالية , وفي فلسطين يواجه الشعب نموذجين بغيضين أولهما الاحتلال وسياسة الحروب المتتابعة والاستيطان وتهويد القدس و الحصار , وثانيهما الانقسام  السياسي والجغرافي والاجتماعي الكبير اثر أحداث العام 2007  هتان المعضلتان تخنقان الأفق السياسي والاجتماعي للشعب  فإذا هدأت نار الحرب مع الاحتلال  اشتعل الانقسام الذي يقفز كونه خلاف سياسي نفوذي فلسطيني الى صراع حقيقي على السيطرة والنفوذ فقط  , في تصوري يجب أن نأخذ عمليات الحداثة الاستراتيجية في ادارة الحالة الفلسطينية بالحسبان لتحقيق قفزة استراتيجية  محمودة ومدروسة وناجعة :

1- على الأطراف الفلسطينية كافة من قوى وأحزاب وحركات ومؤسسات نبذ سياسة تنفيذ ما يرضي الممول على حساب وحدة الوطن , فمن أضعف منظمة التحرير الفلسطينية بفترات سابقة كانت قوى التمويل التي كانت تمول قوى فلسطينية دون أخرى غير متوافقة معها فكريا وقد أثر ذلك كله بالسلب على استراتيجية فلسطينية مستقلة وموحدة , لذلك يصل الإصرار في الحداثة على أنه يجب أن  ترفض كافة القوى الفلسطينية أي تمويل خارج اطار منظمة التحرير الكيان الجامع والقيادي للشعب الفلسطيني  بكل أماكن تواجده .

2- يجب أن يدرك المجموع الفلسطيني أن بناء وتدعيم وجود تمثيل منظمة التحرير هو أقصر الطرق لإدارة الحداثة الناجعة للحالة الفلسطينية وان كل تشكيل او حزب خارج اطار المنظمة يضعف وجودها ولو بالشيء اليسير وهذا هدف مستمر يسعى اليه الاحتلال وكل خصوم وأعداء منظمة التحرير .

3- خطر العلاقات الخارجية الفردية بعيدا عن الدائرة السياسية لمنظمة التحرير  ووزارة الخارجية الفلسطينية  , وهنا أتساءل هل يقتنع مؤسسو العلاقات الخارجية الفردية أنهم يعمقوا الشرخ والفجوات الداخلية  , ليس حيويا اقامة علاقات حزبية خارجية فردية مع قوى عالمية او اقليمية بعيدا عن الاطار الرسمي الذي تقره منظمة التحرير .

4- علاقة الجوار العربي والعلاقة عموما مع العالم العربي والاسلامي وجميع الاصدقاء الدوليين يجب ان تكون برؤية فلسطينية واحدة لا لبس فيها بما يحقق مصالح الوطن والمواطن الفلسطيني  .

5- ادارة المؤسسات التابعة لأطر منظمة التحرير يجب ان تكون بروح فلسطينية أخوية بعيدا عن الحصص الفصائلية في السيطرة , فجميع مؤسسات منظمة التحرير  يجب ان يجري بها انتخابات ديمقراطية حسب النظام الاساسي الفلسطيني وليس من السليم بمكان  ان تسمى احدى مؤسسات منظمة التحرير  باسم اتجاه حزبي فلسطيني , أو أن يطبق بها نظاما فكريا تابعا لحزب فلسطيني معين ,  فجميعها يجب ان ترفع شعار فلسطين فقط واقعا وظاهرا ومضموناً  .
تلك النقاط السابقة تقودنا لحداثة ومستقبل  يجعلنا نحقق اهدافنا بفترة أقصر وبمجهود اقل , اذا ما توفرت قاعدة وحدوية صلبة بعيدا عن التشهير والقدح والردح , هذه مسؤولية وطنية  عظيمة  من ينفذها  يستحق القيادة   وأتمنى بصدق عميق على كافة القوى الفلسطينية العمل من أجل   تحقيق هذه النقاط الخمس .

هاني جودة
Hani.Jouda@gmail.com



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أبحاث ودراسات