الاثنين، 18 فبراير 2013

العلاقات الأندلسية الفاطمية في عهد عبد الرحمن الناصر / أ هاني جودة


محور بحث

بحث  اعدادأ هاني جودة
العلاقات الأندلسية الفاطمية
في عهد
عبد الرحمن الناصر



مقدمة .
قليلة هي المصادر التي اشارت للعلاقات الفاطمية الأندلسية في عهد عبد الرحمن الناصر الا ان العلاقات  وبشكل عام اتسمت بالعدائية والحروب المباشرة والغير مباشرة مواجهة للمد الفاطمي في دولة السنة الأمويين .
لم تقتصر الأخطار التي كانت تُهَدِّد الدولة الإسلامية في الأندلس  على ما كان في الأندلس نفسها من ثورات أتت على قواها ومواردها، ولا على ما كان يتربَّص بها من القوى الإسبانية النصرانية المتوثِّبة الطامحة للقضاء على المسلمين في الأندلس؛ بل وفي كل بقاع الأرض إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً، لم تقتصر الأخطار المحدقة على هذا، وإنما تحالف مع هذه الأخطار وشاركها خطرٌ آخرُ يتربَّص بها في بلاد شمال أفريقيا، خطرٌ لا يقلُّ طموحًا عن طموح النصارى في الشمال، فهو -أيضًا- يتمنى السيطرة على هذه الجزيرة، وعلى ما فيها من خيرات، ويعلم أنها لن تَدِين له بشكل كامل إلا إذا اعتنقت معتقده، وتخلَّت راغبة أو راهبة عما تعتقد؛ إنه الوجود الإسماعيلي، الذي تمثَّل في هذا الوقت في  الدولة  المعروفة  بالفاطمية .

الدولة الفاطمية في المغرب .

ُأعلن قيام هذه الدولة بالمغرب سنة (297هـ)، بعد نجاح أبي عبد الله في دعوته، وجذب الأعوان والأنصار لها، وقيامه بمبايعة «عبيد الله المهدي» بالخلافة، وكان ذلك في ظلِّ انشغال الإمارة الأموية في ذلك الوقت بمواجهة الثورات، التي كانت تعصف بالأندلس من الداخل، كما كانت مشغولة بردِّ اعتداءات الكاثوليك بالشمال على أرضها، وكانت أضعف -في ذلك الوقت- من أن تُسيطر على هاتين الجبهتين معًا، فكيف إذا فُتحت عليها جبهة ثالثة؟! ثم إن بلاد شمال أفريقيا لطالما اعتُبِرَت خطَّ الدفاع الأول عن الأندلس؛ لأنها كانت دائمًا قاعدة غزو هذه البلاد.

خطر الدولة الفاطمية العبيدية .

كان عبد الرحمن الناصر يعلم بكل هذه الأخطار؛ لقربه من جدِّه الأمير عبد الله، وكان مطلعًا على ما آلت إليه حال الأندلس من ضعف في الداخل والخارج، وما آل إليه حال الأعداء من قوَّة وتمكُّن، ولكنه -ومع علمه بهذا كله- لم يفعل مثل أعمامه وأعمام أبيه، ولم يترك الأمر بالكلية لغيره يتحمَّل أعباءه، وإنما تصدَّر لهذا الأمر، وقام به حقَّ القيام.
فإلى جوار المهامِّ العظيمة التي اضطلع عبد الرحمن الناصر بها منذ تَوَلِّيه الحكم، إلا إنه ومع ذلك كان منذ اللحظة الأولى يرقب كل ما يحدث في بلاد الشمال الإفريقي بعين الحرص والحذر، وأنقذه وخفَّف عنه في ذلك الوقت أن الدولة العبيدية كانت هي الأخرى مشغولة بتوطيد أركانها في المغرب؛ لأنها ما كانت تستطيع الانطلاق إلى الأندلس أو إلى مصر إلاَّ بعد أن تستقرَّ في المغرب أولاً ,  ولكن استقرار هذه الدولة في المغرب سيكون على حساب الأندلس بعد ذلك.

العلاقة بين عبد الرحمن الناصر والدولة الفاطمية

لم يستطع عبد الرحمن الناصر أن يصبر حتى يقضي على كل الثورات في الأندلس قضاء مبرمًا، ولا أن يقضي على شوكة نصارى الشمال أولاً، وكذلك لم ينتظر حتى يفرغ العبيديون من أمر المغرب، ثم يأتي دور الأندلس، وإنما سارع هو إلى نقل المعركة إلى أرض المغرب؛ ليشغلهم بالمغرب عن العبور إلى الأندلس، وليستطيع تقوية مركزه في المغرب، فيتمكن من تهديد سلطان العبيديين هناك بعد ذلك، وفي ذلك براعة حربية؛ فهو بذلك يُشَتِّت جهود العبيديين العسكرية والسياسية، ويشغلهم عن الأندلس بالمغرب، ويعاقبهم على مساندتهم ومساعدتهم للثائرين عليه، بأن يُساعد هو -أيضًا- كلَّ مَنْ يسعى للخروج عليهم، ويضمُّه عبد الرحمن الناصر إليه، في حين لا يستطيع العبيديون أنفسهم أن يفعلوا ذلك.

ففي سنة (319هـ) أرسل الناصر أسطولاً قويًّا حشد له ما استطاع من رجال وعتاد، وأرسله إلى سَبْتَة فاستولى عليها من يد ولاتها بني عصام حلفاء العبيديين (الفاطميين)، ثم سارع بتحصينها، وإمدادها بالجند والسلاح، والقادة الأكفاء؛ لأنه يعلم جيدًا أن العبيديين لن يركنوا إلى الراحة والدعة، ولن يتخلَّوْا عن سَبْتَة بسهولة؛ ليس لأنها مفتاح الأندلس فحسب، ولكن لأنها إن بقيت في يد الناصر، فإنها ستُهَدِّد دولتهم الناشئة التي لم تستقرّ بعدُ، وقد عرفنا من قبلُ أهمية ميناء سَبْتَة بالنسبة للأندلس، ورأينا كيف أن موسى بن نصير لم يستطع العبور إلى الأندلس إلاَّ بعد أن أمِن خطر سَبْتَة، وها نحن الآن نعرف أهمية سَبْتَة بالنسبة للمغرب -أيضًا- لذلك لا نعجب إذا عرفنا إصرار إسبانيا على أن تبقى سَبْتَة ومليلة تحت يدها حتى الآن.

لقد كانت هذه خطوة جريئة حازمة من عبد الرحمن الناصر، أشعرت العبيديين الفاطميين  -بلا شكٍّ- وحلفاءهم بالخوف والجزع من هذه القوة الجديدة، التي بدأ نجمها يبزغ في الأندلس، فإلى جوار الثورات التي يعمل هذا الرجل على إخمادها في بلاده، وبالرغم من وجود نصارى الشمال المتربِّصين به وبدولته، إذا به يفتح على نفسه جبهة جديدة في المغرب، وقد كان المنتظر منه أن يُسارع إلى الاستنجاد بهذه الدولة الفتية التي بدأت تظهر في المغرب؛ لتُعينه على أعدائه الكثيرين؛ لذلك فإننا نعتبر أن هذه الخطوة كانت من أكثر خطوات عبد الرحمن الناصر – رحمه الله- جُرْأة وشجاعة وحزمًا، كما كانت أكثرها دلالة على حُسن سياسته وفهمه الرائع لكيفية سير الأمور.
كان يمكن لعبد الرحمن الناصر أن يركن لهذا التقدم وهذا النصر المهم؛ فلقد شغلهم بسَبْتَة عن الأندلس، إلا أن الرجل كان قد عزم على أن يمضي في طريقه إلى النهاية، وألا تضعف همته أو تفتر، فراسل الحسن بن أبي العيش بن إدريس العلوي حاكم طَنْجَة لينزل له عن طَنْجَة ؛ لتكتمل بذلك سيطرته على رأس العدوة، فرفض  ابن أبي العيش ذلك، فحاصره أسطول الأندلس، وضيَّق عليه حتى اضطره إلى التسليم  , وفي سنة (319هـ) -أيضًا- أرسل إليه موسى بنُ أبي العافية أمير مِكْنَاسَة يحالفه ويدخل في طاعته، ويَعِدُه بالدعوة له في المغرب، وبتقريب أهل المغرب وزعمائهم منه، فتَقَبَّله عبد الرحمن أحسن قبول، وأمدَّه بالمال، وساعده في حروبه في المغرب ؛ ليُقَوِّيَ مركزه وبادر على إثر ذلك زعماء الأمازيغ (البربر) من الأدارسة وزناتة إلى طاعة عبد الرحمن الناصر والدعاء له على المنابر، وامتدَّ نفوذه إلى تاهرت، وفاس.

وفي سنة (323هـ) أرسل القائم العبيدي جيشًا بقيادة ميسور الصقلبي إلى موسى بن أبي العافية، ودارت بينهما عدة معارك انهزم فيها موسى بن أبي العافية، وهرب إلى الصحراء، ثم استنجد بالناصر فأنجده، وهُزم العبيديون، وعاد لموسى بن أبي العافية ملكه في المغرب وقوي أمره كما قوي نفوذ الناصر  لدين الله هناك؛ حتى إن مَنْ ثاروا على الدولة العبيدية في المغرب كانوا يُراسلونه ويعترفون له بأنه الأحق بالولاية، وكان عبد الرحمن الناصر يصلهم ويُحْسِنُ إليهم   كل هذا والمعركة دائرة في المغرب، فلمَّا قويت شوكة العبيديين في المغرب، وتغلَّبُوا على ما قام عليهم من ثورات، أقدم المعز لدين الله العبيدي على ما يُشبه جسَّ نبض عبد الرحمن الناصر، فأمر أسطوله بضرب سواحل الأندلس، وبالفعل هاجمت سفن العبيديين ثغر ألمَرِيَّة سنة (344هـ)، وأحرقت ما فيه من سفن، وخَرَّبت كل ما استطاعت تخريبه، فكان ردُّ عبد الرحمن الناصر عليهم عنيفًا؛ إذ أمر فخرج أسطوله إلى سواحل الدولة العبيدية، وردَّ لهم الصاع صاعين، وعادوا سنة (345هـ   )فعلم العبيديون أنه لا طاقة لهم بالأندلس، فلم يُعيدوا الكَرَّة.

وفي سنة (347هـ) اجتاحت قوات العبيديين بقيادة جوهر الصقلي المغرب الأقصى، ودخلت فاس وقتلت عامل عبد الرحمن الناصر عليها، فأسرع عبد الرحمن الناصر بتجريد حملة أندلسية عبرت إلى المغرب، واستطاعت ردَّ العبيديين على أعقابهم  ثم لم يلبث عبد الرحمن الناصر أن مرض سنة (349هـ)، ثم توفي –رحمه الله- سنة 350هـ

بذكر أن الفاطميين تسللوا إلى الجبهة الداخلية ونشروا دعوتهم ومن هؤلاء الدعاة الجغرافي الشهير ابن حوقل صاحب كتاب المسالك والممالك وفد إلى الأندلس أيام عبد الرحمن الناصر وأعد تقريرا عن الأندلس وقدمه للخليفة الفاطمي وصف فيه أمراء البيت الأموي بالضعف والعجز كما وصف الأندلس بأنها بلد سهل الغزو والامتلاك.كما ظهرت شخصية أخرى هي شخصية أبو اليسر الرياضي والذي كان فيلسوفا متكلما يصل إلى قلوب الناس بالجدل والمنطق ويتحدث بالجدل والرياضيات ويقال بأنه هو الذي أدخل رسائل إخوان الصفا إلى الأندلس .وعلى الرغم من المحاولات الفاطمية في اجتذاب أنصار لها في الأندلس إلا أن نجاحها ظل محدودا نظرا لقوة المذهب السني فيها. فنذكر أن عبد الرحمن الناصر كان يرقب ومنذ تولية الإمارة نمو وتحركات الفاطميين في بلاد المغرب وأطماعها في الأندلس حيث أن عبيد الله المهدي استولى على رقاده عاصمة الأغالبة وأعلن قيام الخلافة الفاطمية فيها كما أنشأ عاصمة جديدة هي المهدية ثم انتقل إليها سنة 308هـ و أخذت دولته تمتد حتى حدود المغرب الأقصى كما قامت الحروب بين الفاطميين والأدارسة وفي سنة 314هـ انتهز عبد الرحمن فرصة اضطراب أحوال المغرب الأقصى فأرسل أسطوله لاحتلال ثغر ميله.

وفي سنة 319هـ بعث الخليفة أسطوله بقيادة فرج بن عفير واستولى على سبته كما أن والي المغرب الأقصى من قبل الخليفة الفاطمي في مكناسة أعلن الولاء للخليفة الأندلسي،كما عمل الناصر على تشجيع زعماء المغرب الأقصى من الأدارسة والبربر وحثهم على مناهضة الخليفة الفاطمي وأرسل إليهم الجيوش وأعلنوا له الولاء وصار يخطب باسمه على منابر المغرب من الجزائر وحتى سجلماسة وغربا إلى سواحل المحيط.وفي عهد الخليفتان الفاطميان القائم والمنصور اللذان توليا بعد وفاة المهدي سنة 322هـ أطمأن الناصر من خطر الدولة الفاطمية واستولى على طنجة إلا أن الأحوال لم تستقر إذ أرسل المنصور قائده جوهر الصقلي لإعادة المغرب الأقصى واستطاع أن يستعيدها كلها ماعدا سبته و طنجة اللتان بقيتا في حوزة الخليفة الناصر
 

 حاول الفاطميون منذ البداية في التوسع في اتجاه مصر وبلاد الأندلس وقد تصدى لهم عبد الرحمن الناصر فلاحق الرعاة الذين تمكنوا من دخول الأندلس لنشر الأفكار كما قام عبد الرحمن الناصر بضرب بيد من حديد على بعض الأندلسيين الذين ناصروا الدعوة الفاطمية من أمثال ابن حموون والشاعر بن هانئ الأندلسي ومن الإجراءات التي قام بها عبد الرحمن الناصر لمواجهة الفاطميين هو إعلان الخلافة الأموية في الأندلس عام 316هـ , وقد ساعدته عدة أمور على أقامة الخلافة منها .

1-  وحدة الأندلسيين تحت قيادته بعد القضاء على الفتن والثورات .
2- كما أن الخلافة العباسية كانت تعاني من الضعف في ظل حكم الأتراك ثم بني بويه .
3- تشجيع الأندلسيين له في اتخاذ هذه الخطوة التي ستدعم من الحكم الأموي باعتباره خلافة المسلمين .


وقام عبد الرحمن الناصر أيضا لمواجهة الدولة الفاطمية بتقوية نفوذه على العدوتين الأندلسية والمغربية , فبالنسبة للعدوة الأندلسية أهتم بتحصين الجزيرة الخضراء وطريف وكذلك أقام مدينة مرايا كما سيطر على العدوة المغربية حيث تمكنت قوات عبد الرحمن الناصر من السيطرة على مدينة طنجة ومليلة وسبته , وأصبحت بذلك يراقب الحدود مراقبة كبيرة .وكذلك أهتم عبد الرحمن بالأسطول البحري , فلذلك بنا دور صناعة السفن ويقول المؤرخين أصبح لديه 200 سفينة من مختلف الأحجام
,
وأيضاً لمواجهة الفاطميين قام بالاتصال بأعداء الفاطميين مثل الإخشيديين في مصر حيث أرسل الأموال لدعم المذاهب السنية وخاصة المالكي  , بل إن عبد الرحمن الناصر عقد المجالس للتشكيك في نسب الفاطميين وأتصل عبد الرحمن أيضاً بالدولة البيزنطية والتي كانت في حالة عداء للفاطميين بسبب سيطرة الفاطميين على جزيرة صقلية , كما اتصل عبد الرحمن بملك ايطاليا , وهكذا حصن عبد الرحمن الناصر بلاد الأندلس في وجه الفاطميين الذين توجهوا إلى مصر حيث تمكنوا من السيطرة عليها بقيادة جوهر الصقلي عام 358هـ وانتقل الفاطميين إلى مصر حيث اتخذوا مدينة القاهرة عاصمة لهم






ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


المراجع

 [1] أبو العباس أحمد الناصري: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، 1/253.
[2]  ابن عذاري: البيان المغرب، 2/204.
[3] انظر: تاريخ ابن خلدون، 1/136.
[4] انظر: ابن عذاري: البيان المغرب، 2/213.
[5] انظر ابن عذاري: البيان المغرب، 2/221، وتاريخ ابن خلدون 4/46.
[6] ابن عذاري: البيان المغرب، 2/222.
   7
دراسة  راغب السرجاني






تم بحمد الله
2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أبحاث ودراسات