الطابور أ هاني جودة



الطابور  أ هاني جودة

عندما نشاهد نظاما مرسلا وموجها عبر الفضاءات او الاستشراق او الملاحظة التي تستخدم قمة المثالية في تصوير الغرب وهو يعتمد في حياته على عقيدة الطابور والاصطفاف الهادئ للإنسان بشكله العقلي والنفسي والجسدي وقتها ينظر الغالبية بحسرة مفرطة لواقع العالم العربي ويضفى حلم الطابور لهم هاجسا يتمنون أن يلمسوه بواقع التعاملات والحياة اليومية للمواطن العربي ، ويذهب الغالبية ايضا لتمني أن ينقل التجربة الغربية لمجتمعاتنا ﻷنه رأى منهم نظاما مفتقدا في عالمنا العربي .
معذرة ، كم نحن بحاجة لوقفة طابور حقيقية تضبط فتات أفكارنا المبعثرة وفوضى حواسنا المتلعثمة ، تجعلنا ننتفض على كل فوضى لنرسم السكينة على جنبات أجسادنا نحن الشعب العربي الأقدر على ضبط الحواس والمشاعر كوننا تعرضنا لهزات عنيفة منذ أكثر من ستة عقود جاورنا المحتل واخذنا منه نماذج لا نستطيع نكرانها , اعتقد أن السبب يعود لانعدام ثقافة احترام النظام العام ، ينبغي علينا أن نحاول مجددا ترسيخ ثقافة احترام النظام العام، وأن يأخذ كل شخص دوره دون محاولة أخذ دور الغير ، لذلك يبدو واضحا من خلال هذه المشاهد اليومية أن اللهثان وراء الحياة  أصبح يشجع الفوضوية وعدم الانضباط  والمؤكّد وجود نزعة قوية نحو الفوضى لدى البعض الذين بدورهم قد يرسموا بقلتهم  شكلا عاملا ليقال (صار عادتنا كذا ) ، وهذه حقيقة يجب أن تقال، فالثقافة الحالية المبنية على أخذ ما نحب بأقل جهد وبالتعدي على دور الآخرين توحي بنزعة كبيرة نحو الفوضى وعدم الالتزام بالقانون ، ناهيك عن عدم احترام حقوق الآخرين، ومن المؤسف حقا أن هذه الثقافة نجدها بغض النظر عن العمر والمنصب والحالة الاجتماعية والاقتصادية ومستوى التعليم , الحالة التي ذكرت لا تنكر وقوفنا صفا واحدا منظما في الصلاة ولا أستطيع أيضا أن أظلم الانسانية ذات الطابع المترسخ  في فطرينا وعاداتنا الضبط الاجتماعي لدى عالمنا العربي يرتب الطابور في كافة المناسبات السعيدة والحزينة والضبط العلمي أيضا يحافظ على تعزيز مكانة حملة الشهادة الاعلى ونجدهم أيضا في طابور العلم مصطفين علميا بما يعطيهم نظاما متأصلا
لا شك أن احترام النظام بالاصطفاف والحرص على الانتظام دون جلبة ولا ضوضاء يعد سلوكاً حضارياً راقياً ينم عن احترام الآخرين وتقدير الأولويات ويخلق جواً من المرونة والانسيابية والرضا ويحسن مستوى الخدمة ويحقق العدل ويمنع حدوث أي اشكالات متوقعة ويمكن من خلال شيوع هذه الثقافة وتفشيها أن يقاس وعي الأمم ورقي الدول و من خلالها يعرف مستوى الوعي السلوكي والأخلاقي.

ليس غريباً إذا ما اعترفنا بتفوق بعض شعوب الدول المتقدمة في هذا الجانب و ليس سراً إذا ما اعترفنا بأن هذه الثقافة المجتمعية العامة السائدة لديهم هي أحد الأسباب الرئيسة التي أسرت الكثيرين من أبناءنا وجعلتهم يهيمون إعجاباً بتلك الشعوب ويعودون لبلدانهم ناقمين متهمين شعوبهم بالتخلف والرجعية  مع ذلك لا نستطيع اضفاء وحدوية النظام على الشعوب المتقدمة , فالقبيلة بأفريقيا تسير بطوابير منظمة جدا وتسود بينها لغة الاحترام الداخلي  , بقدر ما نحن بحاجة لتنمية ما لدينا من نزعات انسانية وحضارية سبقت الغير المتحضر حديثا , وبقدر ما نحن بحاجة للحفاظ على اساساتنا العقائدية والدينية والاجتماعية والسلوكية والثقافية التي لطالما عززت ثقافة الطابور والصالح العام والاحترام والواجب والنظام , والحقيقة أنه في تجاوز الطوابير وعدم احترامها فنون كثيرة فتجد البعض يخترق الطابور بحجة الاستفسار عن شيء ما وأنه لا داعي لوقوفه في الطابور .
إن استمرار الشكل العام بعدم الانضباط جديا يتماشى تماما مع الفوضى المرسلة من فضاءات الإمبريالية المستهدفة لزعزعة المواطن العربي ثقته بقدرته على التغيير  والريادة  والضبط والقفز الحضاري , لطالما صورت لنا هوليود مدى الانضباط  والتحضر بالمجتمعات الغربية وأيضا من سقيها شاهدنا مدى الفوضى والتفكير الفوضوي القائم على القتل والارهاب , وأنا عندما اطالب بالحفاظ على القيم الانسانية التي حثت على ثقافة المحبة والانضباط  أتحدث عن الأسرة البشرية كافة  وأخص منها عالمنا العربي صاحب  الريادة التاريخية والاستحقاق الحضاري الأعظم .


هاني جودة
Hani.Jouda@Gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أبحاث ودراسات