الأربعاء، 8 مارس 2017

مسرد أدبي لرواية الشياح الكاتب الأستاذ هاني جودة



 

الكاتب الأستاذ هاني جودة

تدور أحداث الرواية  في فترة المعارك التي اضطرت المقاومة الفلسطينية متمثلة في منظمة التحرير الفلسطينية  دخولها الى جانب القوى الوطنية التقدمية اللبنانية  ضد الانعزاليين  المدعومين من اسرائيل والغرب , المعركة الكُبرى وقعت عام 1975م ، خصوصاً أنّ الجيش اللبناني خاض بثقله الحرب في صف القوى الانعزاليّة , هذه المعارك التي هدفت الى إضعاف ثم تصفية الوجود الفلسطيني المقاوم في الأراضي اللبنانية , أحداث الرواية تكتب حروفها  باسم حي الشياح  في بيروت العاصمة المقابل لحي عين الرمانة والذي يسيطر عليه القوى المسيحية والجيش  مدججين بأسلحة متطورة وقناصة على العمارات مختبئين في مناطق  مجهولة  ,  حيان يفصل بينهما شارع عرضه عشرة أمتار .
في خضم المعارك والدمار الكبير الذي لحق بحي الشياح حوصرت عائلات في إحدى البنايات  المقابلة لحي عين الرمانة هذه العائلات  تشكل بطولة الرواية وهي مزيج حي من المجتمع اللبناني  فبولص وحنا ومارسيل وجورج و أرشاك  مسيحيين و اسعد وجميلة وزينب وابراهيم وابنائه  مسلمين , اهالي حي واحد وواجهوا نفس المصير  , (شدة الحصار و شبح الموت ) ,رصاصات طائشة   وقصف مدفعي عنيف جدا  وآخر برشاش لا يتوقف أجبر هذه العائلات على الاختباء بأحد السراديب والتي كانت معدة من قبل صاحبها لتخزين خليط من البضائع بصناديق كبيرة , "بولص" لا يفارق المذياع يتابع الأخبار  وقد اقتصد كثيرا في توفير حجارة البطارية خوفا من النفاذ وهو عسكري متقاعد خدم في الجيش اللبناني لخمسة وثلاثين عاما , "زينب" زوجة "ابراهيم"  أم "فائزة" الفتاة الجميلة ذات الستة عشر عام والرضيع "ياسر" ذو العامين ,  "حنا" ابن "مارسيل" و "جورج" , "أسعد" 33 عام , زوج "جميلة"وهي ابنة عمه تكبره بأربعة أعوام .

أزيز الرصاص وصوت الانفجارات لا يتوقف الخروج من السرداب يعني الموت المحقق , بدأ طعام والماء ينفذ تصدر لهذه المهمة  الشباب الاثنان "حنا" و "أسعد" كلاً على حدة فالخروج من السرداب ومواجهة الشارع والبحث عن بقالة او مكان طعان معناه ان تجعل جسدك مكشوفا   للقناصة  وهدفا سهلا للرصاص الطائش , خرج "أسعد"  في برهة من هدوء الرصاص ليلتصق بسرعة فائقة في  جدار موازي على الجهة المقابلة لباب السرداب  واسرع خطاه بخط متعرج – كانت تلك وصية من "بولص" ذو الخبرة العسكرية – الى ان تمكن من الوصول لبقالة التسامح , جيف تتصاعد رائحتها الموت له كلمة اخرى دمار هائل مباني قد سقطت دفع باب البقالة وجلب معه ما استطاع حمله وأكثر , الخوف يتمالكه كثيرا وقد ذهب بعقله الى زوجته "جميلة" التي لطالما إتهمته بالغباء  والخوف , هو الان يواجه الموت من اجل احضار الطعام والشراب للمحاصرين بالسرداب, "حنا" في محاولته أخرى كان اكثر نشاطا وحيوية جسمه رشيق اصوات الانفجارات تلاحقه  حبست "مارسيل" انفاسها مرارا خوفا على ابنها عاد حنا , نعم لقد عاد.
" هم يهدفون الى ترحيلنا عن لبنان .. "

" أليس بمفروض من تلك الطائرات أن تلقى قنابلها على الاسرائيليين ... "        ,  الشياح (ص)40 .

نداء على الراديو الرجاء من المواطنين افساح المجال أمام سيارات الاسعاف  والاطفاء وعدم التعرض لهم بإطلاق النار , وقف اطلاق نار هش لم يصمد طويلا كان بمثابة  استراحة محارب قصيرة لم تصمد بالوزارة لم تتشكل بعد  والسياسيين لم يصلوا على اتفاق والميدان هو الحكم , في فترة الهدوء القصيرة تلك , خرج العديد من المختبئين في الملاجئ والسراديب للبحث عن , ماء, طعام,  خرجوا للبحث عن اقربائهم قتلى هنا وهناك رائعة الجثث في كل مكان , صاحب البقالة  المنهوبة يقف في بقالته ليبيع  ما تبقى بها من اغراض , لا متسع  للمكتظين  علب الفاصولياء الماء معلبات الكل بقليل من المال يحاول الشراء لكي يعود سريعا لمخبأة خوفا من تجدد وشيك للنار العمياء ,  جاءت جميلة  تطمئن على زوجها والتي كانت تنهره دائما وتصفه بالخوف والجبن  و التقت مع ابراهيم الذي كان من ضمن المقاومة الفلسطينية وجاء يطمأن على زوجته وابناءه تعاونت مع ابراهيم على اخراج طفل سليم من تحت الانقاض , بدأت الاشتباكات تعود الكل يهرب اكتظ السرداب الضيق بمن فيه لقاء حميم بين ابراهيم وعائلته جميلة جريحة  جرحا سطحيا كما أسعد  رائحة الموت ربما تصبح حقيقة لو دخل صاروخ مدفعي من باب السرداب او نافذة السرداب الصغيرة , سيجعل  من في السرداب أشلاء مبعثرة .

هناك مصدر اطلاق نار ثابت على الشارع المقابل للسرداب  , دقق "حنا" النظر زجاج النوافذ المغلقة يشع اصبح واضحا امامه الشعر الأشقر لرجل كامن على الشباك المفتوح لا يدري اهي  رشاش ام بندقية قناصة , وهنا كانت الخطة تتبلور في اذهاب الثلاثة " حنا وابراهيم وبولص"  لوضع حد لهذا القناص اللعين الذي يتحكم في مصيرهم , أسعد كان بعيدا عن التمتمات ولكنه نظر الى زوجته  وبادلته النظرة بحسرة تجاهه فهي تعتقده لا يصلح الا للبيت , هل يقترب منهم وهل سيشاركهم هذه العملية الاشبه بالانتحار ؟ , كان مضطربا بالعلاقة مع ابراهيم  ذاك الذي جاء له بجميلة التي لا تثق برجولته الا انه عندما اصيبت جميلة مارس هيمنته المفقودة وما كان على الجميع الا ان يصمت لأنه زوجها , وكان مبتعدا عن حنا الذي  بضنه ينافسه على "فائزة" , نعم لقد  اقترب منهم بأسلوبه وبدأ يشرح لهم طريقة جديدة للوصول للقناص غير تلك التي حددها بولص  , ولكن الاثنان "حنا وابراهيم" اتفقوا على طريقة "بولص" صاحب الخبرة , فكرة حنا ايضا كانت مستوحاة من بعض افلام الحرب العالمية الثانية عدد  من الجنود يتسللون خلف خطوط الألمان  وينقضون عليهم , تلك الفكرة تلاقت مع ابراهيم و بولص .
  • " ذلك القناص يتخذ من مكمنه موقعا استراتيجيا يشرف علينا , ويستطيع أن يستهدف كل حركة من حركاتنا ".   الشياح (ص)107 .
بولص يعرف المنطقة جيدا ويعرف ايضا البناية مداخلها ومخارجها وغرفها المطلة على منطقة الشياح فهي  مجمع تجاري يضم في ادواره الخمسة الاولى مكاتب شركات تجارية والثلاثة العليا  شقق سكنية  , والمعينون للحراسة ليسوا عسكرا نظاميا في تلك المنطقة وعملية الاقتحام ليست سهلة من المنطقة الأمامية المقابلة للشياح   بحكم الحراسة المشددة للمنطقة المواجهة و يقضه القناصين , المنطقة الأسهل لاقتحام هي سور حديقة الكنيسة القريبة من المبنى المتحصن به القناص , حدد المقتحمون مكان الغرفة التي يختبئ بها القناص وهي غرفة الخدمة في الطابق .
الساعة الثالثة  صباحا وقت تنفيذ العملية اسلحة بدائية مسدس وخنجر  مقابل جيش لديه سلاح مدجج ووفير , نعم لقد بدأت العملية ,في جنح الظلام تسلل الأربعة "حنا وابراهيم وبولص وأسعد" يختبئون من الاضاءة المتحركة  الى أن وصلوا بصعوبة حادة الى جدار الكنيسة وهناك اوقفهم مسلح قائلا من انتم , ليرد حنا بكل جراه انا ماروني وهؤلاء من الشياح وقد خطفوني  وما ان ساق حنا زملائه الثلاثة بصحبة المسلح خطوات معدودة حتى انقض على المسلح وسحبوا المسلح من منتصف الطريق   وهموا بسرعة للتوجه لغرفة القناصة  في الطابق الخامس , هناك مسلحين اثنان يتقدمان بضحكات نحوهما من دون ان يروا الأربعة , تقدموا اكثر ظهر ابراهيم أمام المسلحين فجأة آمرا حنا واسعد بتجريدهما سلاحهما , أبدى المسلحين حركة فما كان من ابراهيم الا ان اطلق الرصاص مما دفع عجلة الخطة أن تسرع اكثر  خصوصا بعد قضائهم على القناصين الاثنين بالدور الخامس , صرخ ابراهيم عليهم بسرعة , انتبه الحراس لصوت اطلاق النار داخل المبنى وبحركات سريعة تمكن الأربعة من الوصول لسور الحديقة  بالأسفل , رصاصات تنتشر في كل مكان جن جنون الحراس بولص تعب كثيرا وصدر عنه صرخة  لقد مات بولص وفي محاولة حنا لسحبه  اصيب هو الاخر برصاصة في صدره  اطبق ابراهيم بيده القوية عليه وسحبه   وانسحبوا من طريق أخرى واصبحوا داخل الشياح واحتموا بأحد البيوت المهدمة  , واجه الثلاثة مصيرا جديدا ابراهيم يجب ان يلتحق بسرعة للمقاومة لمواصلة الدفاع عن أهالي الشياح , اسعد يجب ان يعود بسرعة للعائلات في السرداب , وقبلهم الجريح حنا يجب ان يهب للمشفى  , اخد ابراهيم حنا    ورجع أسعد بعد ساعة من العملية والكل في ترقب وحيدا , نعم لقد مات بولص استقبلته مارسيل سائلة عن ولدها الجريح وزينب  عن زوجها ابراهيم , وهو لأول مرة يواجه مسؤولية الحفاظ المنفرد  على هذه العائلات التي باتت امانة  لديه , الأن أسعد هو رجلهم الوحيد وقف أمامهم سألوه عن القناصة سألوه عن كل شيء , وقف وحيدا أمام مصيرهم جالسا خلف باب  هو اليوم ليس كما البارحة , نظر لجميلة قائلا " أنت بحاجة للذهاب الى المشفى" , من منكم  يريد الماء -  وكان قد شارف على النفاذ – ردوا بثقة لا احد خائفين عليه , فأسعد الذي كان يترك ولا يأخذ  اهتماما كما يريد من فائزة خصوصا الكل ينظر اليه بعين الحارس والباقي الوحيد لهم .
العطش يزداد , والرضيع يزداد صراخا , انه العطش , المعلبات لا تزال موجودة , المذياع يقول ربما هناك اتفاق وشيك , العطش يزداد وفي اليوم الثالث قرر أسعد الخروج لا محالة , خرج وكل من بالسرداب يراقبه منعوه بكلماتهم الحنونة , لا تقلق الطفل لن يموت لن يموت احد من العطش اطمأن , ولكن احساسه تجاههم رفض كل ذلك فقرر ممارسة رجولته ووصية ابراهيم ومحبة بولص وحنا  ,  خرج محتميا على الجدران  , ينظر هنا وهنا  مسرعا بقالة اولى ثانية ثالثة لا جدوى نصف ساعة منذ ان غادر هل يعود بدون ماء  ووسط كل هذا الخوف وصوت الانفجارات التي لا تهدا جاء صوتا كالرعد من خلفه ( قف)  فاذا به احد افراد المقاومة اطمان اليه اعطاه قنينة ماء موصيا اياه بالاقتصاد , مطمئنا اياه ( الاشتباكات ستتوقف على الاغلب هذه الليلة ) , ودع المقاوم وذهب مسرعا الى  الشارع المؤدي للسرداب , اطلاق النار لا يتوقف وكان قد شاهده المتحصنون في بنايات عين الرمانة , اصبح امام عزيمة نجاحه بجلب الماء وبين الموت المحقق فالقناصة قد   تابعوه من مكان الى مكان , تذكر كلمات بولص اركض سريعا وبخط متعرج , ذهب مسرعا أكثر وأكثر , الطلقات لا تتوقف صرخ بكل طاقته , (لا) , لا يدري اهي مدفعية ام طلقة  وجد نفسه مسطحا على الأرض , بات من في السرداب يراه واضحا  جميلة تصرخ بلا توقف  أسعد , زينب وفائزة تراقب ومارسيل , هو لم يمت رأيت يده تتحرك , يجب ان ننقله من هنا يجب ان نسحبه الى داخل السرداب ,  نعم لقد زحفوا تجاهه في محاولة جريئة لسحبه اليهم جميلة لا تفارق البكاء وملتصقة ببوابة السرداب , اسعد  يصدر شخيرا شديدا ثم غرغرة , فائزة سبقت مارسيل وزينب نحو اسعد اطلاق النار لا يتوقف بل يزداد تجاههم , ازيز الرصاص رشقات لا تتوقف نظرت فائزة حولها فلم تجد أحدا فتداعت فائزة بجوار أسعد .
وبعد هذه الأسطورة والملحة يزف المذيع للمواطنين خبر  انشاء الوزارة ووقف النار .

( الرواية للروائي الكويتي اسماعيل فهد اسماعيل ويعد هذا المسرد الأدبي اول مسرد للرواية منشور على موقع بلدة دمره للكاتب الفلسطيني هاني جودة)

حقوق الطبع والنشر محفوظة للكاتب


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أبحاث ودراسات