الخميس، 21 فبراير 2019

مسألة تمثيل منظمة التحرير بين الزمان والمكان بقلم هاني جودة




خاض شعبنا الفلسطيني صراعات طويلة مع كل الغزاة الذين اعتمدوا على عقيدتهم الاستعمارية في نهب مقدرات الشعوب على مر الزمان , ومما لا شك فيه ان التفكير الصهيوني الاستيطاني منذ مؤتمر بازل بسويسرا ركز على اهداف الحركة الصهيونية بقيام كيان يهودي من النيل الى الفرات مركزيته فلسطين بدأ من بتيح تيكفا - فاتحة الأمل-  التي  تأسست عام 1878م  بشراء عدد من الدونمات كنواة زراعية اشتراها يهود من عرب سكان قرية ملبس العربية غير أن أول استيطان جماعي فيها كان عام 1881 منذ ذلك الحين ومع زيادة هذا التجمع  حيث قدم له اعداد كبيرة من اليهود بأوروبا الشرقية لم يتوانى الفلسطينيون من الدفاع عن ارضهم وبدأت المناوشات شيئا فشيء ومع تهالك القوة العثمانية الحاكمة لفلسطين آنذاك رغم كل ما فعله السلطان عبد الحميد من محاربة الاطماع اليهودية وعروض هيرتزل المالية الا ان الكم الداعم لليهود والصهيونية كان اقوى بكثير من الحكم العثماني لفلسطين والذي كان يترنح بسبب جماعة الاتحاد والترقي التي نخرت عصب الدولة العثمانية , ومع اعلان بلفور المشؤوم ثم الانتداب البريطاني على فلسطين بدأ الفلسطينيون برفض سياسة الهجرة اليهودية والحماية البريطانية لهم فشن الفلسطينيون عمليات فدائية ضد المصالح الاستعمارية البريطانية والاستيطانية الصهيونية  وتطور العمل الفدائي الفلسطيني الناشئ حتى وصلنا لثورة 1936 حيث تظافرت بعض الجهود العربية الغير رسمية من متطوعين وطنيين للدخول في الثورة التي استطاعت بريطانيا - بوحشيتها المعتادة آنذاك – من قمع وطمسها ومحاصرة الثوار في أحراش يعبد , وبدأ الفلسطينيون بعدها يفكرون بأكثر تنظيما وتكتيكا حيث بدأت الحركة الوطنية الفلسطينية تنظم نفسها وتفكر اكثر جدية بعمل حكومة فلسطينية وظهرت لنا شخصية الحاج أمين الحسيني مفتي القدس الشخصية الفلسطينية الابرز آنذاك وبدأ بزيارات لكل القوى الفلسطينية في الداخل والخارج بل زار عدة دول خارجية لطرح مخاطر الحركة الصهيونية على فلسطين واستطاع بجهود متواضعة غير مدعومة الى ابراز كلمة فلسطين وسط ضجيج الانتداب ووحشيته على فلسطين , كل ذلك كان متواضعا حقا أمام الدعم الاوروبي الغربي والبريطاني خصوصا لليهود ذلك أهلهم لقيام الكيان الصهيوني عام 1948م الذين  اثاروا الدنيا ضجيجا بعبارة (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) وقامت الحرب العربية الأولى ضد اسرائيل وللأسف هزمت " الجيوش العربية " كافة وبكل سهولة أمام "عصابات اسرائيلية " نقول عصابات كون ان تلك العصابات حتى تاريخه كانت لم تتخذ شكل الجيش المنظم رغم ذلك لم تصمد أمامها الجيوش العربية !
جاء الموقف المصري أكثر انتباها وقتها حيث تقدمت وزارة الخارجية المصرية بتوصية لجامعة الدول العربية في مارس 1959 من اجل العمل على ابراز كيان فلسطيني فوافقت الاخيرة ودعت الى انشاء جيش فلسطيني في الدول العربية المضيفة  و انشاء اتحاد قومي فلسطيني و الفضل وقتها للزعيم عبد الناصر الذي كان يهدف  الى مواجهة  نشاط اسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية , في الثاني من حزيران 1964 وقف السيد أحمد الشقيري على منصة المؤتمر الوطني الفلسطيني في القدس ليعلن قيام " منظمة التحرير الفلسطينية" ممثلة وقائدة للشعب العربي الفلسطيني "
ومنذ ذلك الحين استجمع الفلسطينيون قواهم في داخل فلسطين وخارجها وشهدت قيادة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات انجازات كبيرة للشعب الفلسطيني حيث نقل القضية  الفلسطينية من انسانية الى قضية وطنية ومن شعب كبير من اللاجئين الى شعب من الثائرين المقاتلين من أجل الحرية , شعب مشتت في الدول العربية بأحزاب في الداخل والخارج  استطاع ان يجمعه رغم الصعوبات التي كانت أمامه من القريب والبعيد لقد استطاعت منظمة التحرير الفلسطينية من تمثيل فلسطين وفرض اسمها في كل مكان من الدنيا وبدأت كل وسائل الاعلام تتناقل اخبار الثوار الفلسطينيين الذين يرفضون الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين وبرزت شخصية عرفات بكوفيته التي صنعت كريزما خاصة في كل دول العالم رمز له ولها (فلسطين) كون ان الدعاية الصهيونية نفت الوجود الانساني والبشري في فلسطين وخيلت للعالم ان العرب يمنعون اليهود الضعفاء من قيام وطن قومي لهم , تلك المنظمة حاربت الصخر واستطاعت ان تنظم نفسها وتجعل لها ممثلين في معظم دول العالم وانشات هيئات على كل المستويات و أدارت شؤون الشعب العربي الفلسطيني في كل أماكن تواجده ومع تطور عمل المنظمة والخبرة التي وجدت نفسها مضطرة لتطويرها ابتعثت ابنائها لتطوير انفسهم في الجوانب العسكرية والعلمية والثقافية والاعلامية  هنا وهناك وبهم كانت مؤهلة على الدوام لقيادة الشعب الفلسطيني , لقد استطاعت المنظمة من انشاء اجهزة امنية  حققت اختراقات لدى الكيان الاحتلالي  وارغمت المخابرات الدولية من التعامل معها , لقد فرض عرفات معادلة جديدة من التعامل ولأول مرة بعد المشاهد المحزنة للفلسطينيين وهم يخرجون من ديارهم عام 1948 رأى العالم اجمع كيف استطاع عرفات ان يحول شمال فلسطين لأرض من اللهيب تحت اقدام الصهاينة والمستوطنين وشوهدوا وهم يهربون بالآلاف  من نير المدفعية الفلسطينية , كان لابد لهذا العالم ان يعترف بمنظمة التحرير فصعد عرفات لأول مرة منصة الامم المتحدة 1974م باسم الشعب الفلسطيني الغائب الحاضر في أذهانهم  ليعلن للعالم اجمع انه وباسم الشعب الفلسطيني ممثلا بمنظمة التحرير الفلسطينية يحمل غصن الزيتون في يد وبندقية الثائر في يد  جاء ليدحض الرواية الصهيونية حول فلسطين , كان ذلك الخطاب بمثابة تحول كبير من دول العالم اجمع تجاه فلسطين فتوالت الاعترافات الدولية بالمنظمة ممثلا للشعب الفلسطيني  , تلك الاعترافات تعبدت بدماء الشهداء والجرحى وآهات الاسرى   كان الجهاز السياسي والعسكري للمنظمة مثالا للانضباط الثوري  لكننا كفلسطينيين لم يكن لدينا جسر جوي مفتوح كما للاحتلال من امريكا فنحن كنا نتلقى الدعم العربي  الخجول الذي حول القضية من عربية اسرائيلية الى فلسطينية اسرائيلية ناهيكم عن تدخلات الانظمة العربية في الشؤون الفلسطينية ومحاولاتها انشاء كيانات موازية او احزاب جديدة او انشقاقات , كل ذلك كان يضعف موقفنا الفلسطيني وجاءت اتفاقية كامب ديفيد 1979 بمثابة اعلان تطبيعي اول مع الاحتلال وخروج مصر من حلبة الصراع بعد حرب اكتوبر 1973 المجيدة , لقد وجدنا انفسنا حقا في الميدان لوحدنا كما في كل مرة منظمة التحرير بإمكانياتها وحالة الشتات التي تديره بلدان عربية اصبحت لها اهواء ومصالح من اللعب بالورقة الفلسطينية وبين احتلال يتمتع بدعم مالي اقتصادي عسكري رهيب جدا , كيف للفلسطيني ان يحارب اسرائيل ومن خلفها امريكا والغرب !  ذلك كله لم يكن سهلا الا ان المنظمة حافظت على قوتها وقوة تمثيلها   ووقعت اتفاقية اوسلوا 1993م بالنرويج   .
لقد كان الاتفاق بمثابة اعتراف متبادل بين المنظمة واسرائيل وقعه اسحاق رابين وياسر عرفات وأسس السلطة الوطنية الفلسطينية وكان الاتفاق بمراحله المتقدمة واتفاقية الوضع النهائي سيوصلنا لدولة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 لكن الحكومات الاسرائيلية ماطلت   مدعومة من الادارات الامريكية التي يديرها اللوبي الصهيوني , ذلك كله لم يوقف انشطة ونضال منظمة التحرير من محاربة اسرائيل في كل المحافل الدولية متسلحة بالأشقاء العرب وكل الاحرار حول العالم فحصل الفلسطينيون بقيادة م ت ف على عضو مراقب بالأمم المتحدة  و ترأست دولة فلسطين مجموعة 77والصين وبموجب الاعترافات الدولية دخلت فلسطين المئات من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تستخدمها المنظمة لنيل حقوق شعبنا الفلسطيني الثقافية والسياسية والاقتصادية   والتاريخية , اليوم لا يوجد احد في العالم على مستوى الدول لا يعرف من هي فلسطين  لقد كانت ولا تزال المنظمة هي شعلة الامل لكل الفلسطينيين كونها الوصية على دماء الشهداء والحريصة على مصالح الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم  , وكما التاريخ يكرر بعض الاحداث ويقاربها فأزمة تمثيل المنظمة التي تثيرها جهات معادية لشعبنا اهمها الدولة الايرانية وما تصنعه من لعبة بالأوراق الفلسطينية خدمة لنفوذها الاقليمي وطموحها لتتحول لدولة بتصنيف قوى عظمى بحكم برنامجها الننوي وطموحاتها الاقتصادية الاخرى وما تملكه من بترول وثروات منهوبة من الاحواز العربي المحتل   , ذلك تستخدمه ايران لتقوية اطراف فلسطينية على غيرها , هذه التجربة لن تنجح البتة ولا يمكن تجاوز تاريخ شعب مقابل اطماع اقليمية  وطموحات خبيثة وسياسات ايدلوجية عقيمة .
اعداء شعبنا الفلسطيني وممثله الشرعي  والوحيد يعلمون جيدا ان لا اتفاق ولا افق بدون التواصل مع قيادة شعبنا ممثل بـ (م ت ف) , ويفعلون كل الافاعيل لتقويض سلطة المنظمة , كل ذلك مهما كان ذو تأثير الا أنهم يدركون كما من سبقهم ان لا بوابة سوى م ت ف .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أبحاث ودراسات