السبت، 10 فبراير 2018

الحسابات الإسرائيلية في الصراع الـدائر في سوريا هاني جودة



الحسابات الإسرائيلية في الصراع الـدائر في سوريا
 هاني جودة


منذ بداية ما عرف الثورات العربية التي اندلعت في تونس ومصر، مرورا باليمن وليبيا وصولا إلى سوريا ، بدا واضحا أن اسرائيل قد تضررت كثيراً، سياسيا وأمنيا ،اذ أنها خسرت أنظمة اعتادت العمل معها  ومعها البيئة الإقليمية الآمنة.
ان الأهم من ذلك أن هذه الثورات بالنسبة لإسرائيل لم تكن مجرد خسارة معرفة طبيعة الأنظمة، إذ بات هناك أيضا تغير نوعي في محاولات الصراع العربي الاسرائيلي مع صعود المجتمعات العربية ،إلى مسرح التاريخ ،مما نجم عنه ايضا احتساب هذه المجتمعات ضمن معادلات موازين القوى ،بعد ان كانت هذه المجتمعات مغيبة او مهمشة، هذا فضلا عن فقدان اسرائيل لمكانتها الأثيرة ،كالديمقراطية الوحيدة في صحراء الشرق الأوسط ،بعد ان بات عددا من الدول العربية يتحول نحو الديمقراطية.
ومهما يكن، فإن الاستنتاجات السالفة الذكر، ليست مجرد رأي وإنما هي واقع أقر به كثير من المحللين والمهتمين، ومنهم” غراهام فولر”،المحلل الأمريكي في الشؤون الاستراتيجية، ونائب رئيس مجلس الاستخبارات في الولايات المتحدة الأمريكية سابقاً، والذي رأى ان اسرائيل هي الخاسر الأكبر والأول من الثورات العربية في مقال كتبه في ”كريستيان ساينس مونيتور”بتاريخ18/11/2011،وعنوانه(من هم أكبر الخاسرين والكاسبين من ربيع العرب..؟).
ان التخوفات الإسرائيلية من الثورات العربية كانت واضحة ومعلنة ،لاسيما فبما يتعلق بسقوط نظام مبارك ،إلا ان تعيين الموقف الاسرائيلي مما يجري في سوريا يثير عددا من التساؤلات، فهنا ثمة غموض مقصود والتباس حيرة ،ما يعني ان ثمة موقفاً إشكاليا يحتاج إلى مزيد من امعان النظر والتفحص لسبر ابعاد هذا الموقف ومعرفة حقيقته.
لقد بات من الثابت حتى الآن، ان اسرائيل تنتهج” عمداً ”سياسة قوامها عدم توضيح وجهة نظرها في شأن مصير النظام السوري ،وثمة فيها من يعبر عن قلقه إزاء ما يحصل في سوريا، على الرغم من ان النظام السوري محسوب على ما يعرف بمحور ”الممانعة  والمقاومة” ،وهو أمر مدهش حقاً ويثير السؤال ،وذلك بدون صلة مع تفسيرات المؤامرة.
ففي الصراعات السياسية المتداخلة والمعقدة لا تجري الامور على هذا النحو الساذج، فمثلا من المفترض وبالنظر إلى ادعاءات النظام السوري عن نفسه ،ان ثمة مصلحة لإسرائيل بانتهاء هذا النظام الذي تعتبره بمثابة قاعدة خلفية لحزب الله، لاسيما انتهاء يؤدي إلى فكفكة محور دمشق حزب الله طهران، ولكن الملاحظ ان اسرائيل لا تتصرف على هذا النحو البتة، فهي لا تبدو متحمسة لإنهاء النظام في سوريا، بل ان بعض المحللين يرون بأن اسرائيل تلعب دورا كابحاً لأية تدخلات خارجية، وخصوصا أمريكية قد تتيح سقوطا سريعاً وسهلاً للنظام السوري.
ان وجهة النظر الاسرائيلية ترى ان النظام السوري” هو دولة منضبطة وتتحمل مسؤولياتها ازاء الحفاظ على أمنها(أمن اسرائيل)بواقع ان حدودها مع سوريا حظيت بهدوء مطلق على مدار اربعة عقود مضت”.
ويشرح الخبير الاسرائيلي في الشؤون السورية ”إيال زيسر ”حقيقة الموقف الاسرائيلي مما يجري في سوريا قائلا: ”لم يستقر رأي اسرائيل بعد ،أهي معنية بإسقاط الاسد أم هي معنية إلى جانب إيران وحزب الله وروسيا ببقائه على كرسيه؟.
ولكن لماذا يحدث ذلك ؟او كيف نفسر هذا الأمر؟ وكيف جرى وان اسرائيل ليست في عجالة من أمرها في اسقاط نظام الاسد؟
وللإجابة على هذين السؤالين ،نحن بحاجة إلى تفكيك المشهد إلى العناصر الأساسية المكونة له بالنسبة لإسرائيل، وهي :سوريا وحزب الله، وايران وحركات الثورة السورية.
فمن وجهة نظر اسرائيل تبدو” سوريا الأسد ”دولة منضبطة ،وتتحمل مسؤولياتها ازاء حفاظها على أمنها على الجبهة الشمالية ،بواقع ان حدودها مع سوريا حظيت منذ بداية السبعينات وحتى اليوم بهدوء مطلق إلى درجة باتت معها هضبة الجولان من أهم المنتجعات السياحية في العام، والمعنى ان ما يهم اسرائيل المواقف العلنية، لا الشعارات والا الادعاءات اللفظية.
اما بالنسبة لحزب الله، فهو لم يعد يشكل تهديدا لإسرائيل بعد انسحابها الأحادي من جنوب لبنان عام2000، وبعد توقف المقاومة من حينها (باستثناء عملية خطف الجنديين الاسرائيليين في عام2006) ولاسيما أيضا بعد تحول حزب الله إلى الداخل اللبناني، والغرق في اللعبة السياسية فيه ،وأخيرا بسبب انغماسه في معترك الصراع الجاري في سوريا، الأمر الذي أدى إلى تدهور مكانته وظهوره على انه حزب طائفي يشتغل وفق الأجندة الإيرانية.
أما بشان إيران ،فإذا ما تجاوزنا سعيها الحثيث لامتلاك الطاقة النووية ،فلا يبدو أن لإسرائيل أية مشكلة معها، لأن الأسلحة التي تزودها لحزب الله لا تغير من موازين القوى ،وهذا يمكن لإسرائيل التعامل معها ،كما ظهر في أكثر من حرب.
ومما تجدر الإشارة إليه هنا، هو ان اسرائيل تستفيد عمليا من ايران، وان كان ذلك بشكل غير مباشر، وهي تستثمر في السياسات التي تنتهجها إيران في الشرق الأوسط ،لاسيما وأنها استطاعت شق مجتمعات المنطقة، واثارة النزعات الطائفية والمذهبية فيها ،وهو ما لم تستطيعه اسرائيل طوال أكثر من ستة عقود مضت..!.
بقيت نقطة أخيرة تتعلق بموقف اسرائيل من الثورة السورية، التي باتت تشكل هاجسا بالنسبة لها مهما آلت إليه الأمور في سوريا، مع كافة الأطياف العلمانية أو المتدينين او القوميين أو اليساريين ،ذلك ان الثورات الشعبية العربية مكنت الشعب من السياسة ومن التقرير بشؤونه المصيرية، فضلا عن انها أدخلت المجتمعات العربية، في حسابات موازين القوى في الصراع العسكري او السلمي مع اسرائيل، بعد ان كان هذا الأمر محصوراً بالجيوش النظامية العربية القابعة في ثكناتها.
ونقصد مما سبق، بأن موقف اسرائيل مما يجري في سوريا تحكمه عوامل عديدة، وانه موقف مركب ومعقد، لاسيما ان هذه معنية بعدم تحول سوريا إلى مكان تسوده الفوضى ،او الجماعات الجهادية المتشددة، كما أنها معنية بعدم انتقال أسلحة من مستوى معين إلى حزب الله ،قد تمكنه من تغيير معادلات القوة والردع. ويأتي ضمن ذلك عدم تسرب أسلحة كيمياوية غلى حزب الله، وإلى الجماعات المسلحة المعارضة للنظام في سوريا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أبحاث ودراسات