السبت، 16 فبراير 2013

التعاون المشارقي والضرورة الفلسطينية بقلم / هاني جودة

التعاون المشارقي والضرورة الفلسطينية

بقلم / هاني جودة


تاريخ عميق من الحضارة والأصالة انبثق للعالم من سورية صاحبة الحضور والبصمات التاريخية , حيث كان للجغرافيا والتاريخ والاجتماع البشري أهمية متينة في تكوين هذا الشعب العريق والذي تعرضت أراضيه الطاهرة لغزوات ومعارك بطولية سطرها  بدماء أبنائه الأوفياء على مر التاريخ , وثعبان العصر المتمثل بالصهيونية العالمية يأبى إلا أن يمزق ما قد تمزق منذ 16/5/1916 ليجعل من الدولة ولايات ومن الولايات مدن مستقلة  يرجعنا لعصر ما قبل التاريخ والوحدات السياسية الصغيرة المنقسمة المتطاحنة  كاسبرطة وأثينا  تحقيقا لأهدافه بشرذمة الوحدة الطبيعية الاجتماعية للهلال السوري الخصيب ولقد تحدث الزعيم انطون سعادة عن خصوصية المكانة لسورية الطبيعية والتي بها الحفاظ الحقيقي على الأمة والمقدرات فقال "
إن سر بقاء سورية وحدة وأمة ممتازة، مع كل ما مر عليها من غزوات من الجنوب والشمال والشرق والغرب ، هو في هذه الوحدة الجغرافية البديعة وهذه البيئة الطبيعية المتنوعة الممكنات من سهول وجبال وأودية وبحر وساحل، هذا الوطن الممتاز لهذه الأمة الممتازة". فسورية هذه الجنة الشرقية من الكون على كياناتها  التي خلقها الاستعمار أن تدرك هذه الحقيقة وان تسعي لتشكيل مجلس تعاون مشارقي  على أسس متينة  يؤسس لقيام اتحادات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية طبيعية , هذا المجلس المشارقي يخدم المسألة الفلسطينية ويحارب اليهود والاستعمار بشكل مركزي فخطر اليهود لا يقتصر بوجوده على فلسطين بل يتناول لبنان والعراق والشام كما يمتد اخطابوط القوى الامبريالية الاقتصادي والسياسي للعالم العربي بل للعالم أجمع , ولقد تقدم حضرة رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الدكتور أسعد حردان بمشروع ثمين يبتر الأهداف الاستعمارية في المشرق العربي ويسعى لإقامة تحالف متين بين كيانات سورية في وجه الهجمات الامبريالية خصوصا التي تستهدف فلسطين والشام تحت اسم "مجلس تعاون مشرقي"  في وجه المخطط الغربي المسمى شرق أوسط جديد وهو بالواقع تحقيقا طبيعيا لوحدة هذه الكيانات , ووظيفة هذا المجلس التعاون المشرقي في بلاد الشام والرافدين، هي تسديد حاجات قومية عديدة على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية، وهذا المجلس يستهدف تحقيق التكامل والاتحاد الاجتماعي الجغرافي السياسي ,  ولقد كان هناك تجربتان عربيتان تمثلتا في مجلس التعاون المغاربي ومجلس التعاون الخليجي . فتجربة مجلس التعاون المغاربي ضرورة طبيعية تراعي المكانة الاجتماعية والجيوسياسية المغربية  حيث أدركت الأحزاب الوطنية المغاربية حزب الاستقلال المغربي والحزب الدستوري التونسي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية  ضرورة تحقيق مجلس تعاوني تنسيقي يرقى بالعمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي المشترك للمنطقة الغربية من العالم العربي ومواجهة متحدة للتحديات التي واجهت دول المغرب كان أهمها آنذاك الحفاظ على استقلال ما جني ثماره بعد رحيل الاستعمار عن دول المغرب ,  يأتي ذلك الاتحاد مفسرا للجغرافية الإقليمية التي جمعت هده البلدان وجعلت من عملية الاتصال والتواصل سريعة ومتأثرة  بكل الأحداث على اختلافها.


ومن أهم أسباب تجمد هدا الاتحاد المغاربي

1- تدخل الدول الأجنبية في شؤون المغرب العربي تحت أسباب عديدة كان أهمها محاربة الإرهاب ومنع أي طموح عربي وحدوي هناك .
2- أن الامتلاءات الخارجية والخوف من الغول الغربي يضعف سيادة الدول على مواردها وقواها السياسية والسيادية .
3- أن الاتحاد لم يتطور ليأخذ أشكالا كالكنفدرالية أو الفدرالية بل انحصر عمله في عقد مؤتمرات لم تحمل هذه المؤتمرات أشكال عملية تطبيقية تطور من شكله .

وكذلك من الأخطاء التي حدثت بالاتحاد هي دعوة المغرب  بالدخول لمجلس التعاون الخليجي  والتي قوبلت برفض شعبي مغربي طبيعي , وعلى صعيد المسألة الفلسطينية كان للشعب العربي المغاربي مواقف تضامنية رائعة عبرت عن مدى الإحساس بالخطر الذي يهد العالم العربي جراء احتلال عصابات اليهود لفلسطين ولكن عامل الزمان والمكان والاتصال الجغرافي والاجتماعي حال دون جدوى التأثير في حرب فلسطين منذ عام 1948 وحتى الانتفاضتين .

وفي تجربة مجلس التعاون الخليجي والذي شهدت نجاح كبير في تحقيق أهداف المجلس وتعزيز العمل المشترك حيث تأسس الاتحاد عام 1981 واستطاع هذا الاتحاد تكوين اتحادا جمركيا واتحادات ثقافية وعلمية ومعلومات سكانية وأمنية  وتقنية تخدم دول الاتحاد وهو يسير بسرعة للتكامل  وهناك دعوات حديثة لإنشاء الفيدرالية الخليجية  ولكن رغم ما بهذه الخطوات من جدية وطموح شعبي مرحب به إلا أن دول الخليج العربي قد تتبع لأشكال مختلفة من الاستعمار وظفتها لحماية نفوذها بالخليج العربي  وجعلت منها سد في وجه الكتلة الشرقية التي عبرت عنها إيران وروسيا والصين وأصبحت على المستوى الداخلي مسألة استكمال الحلم الخليجي بالفدرالية أو الاتحاد الكامل مرتهنة بمدى تنفيس قوى الاستعمار عن الدول الغربية  ومرتهنة كذلك بالسياسة التحالفية التي امتدت لعقود طويلة من الزمن  بين قادة الأسر العربية الحاكمة بالخليج وبريطانيا وأمريكا على وجه الخصوص .

من الأسباب التي يمكن أن تضعف ثم تجمد الاتحاد :

1- دخول دول غير خليجية للاتحاد بحجة الحماية الأمنية العسكرية الاقتصادية , وهذا ما سيضر بأصل وثقافة الاتحاد القائم على الوحدة الطبيعية الخليجية .
2- رفض القوى الشعبية والحقوقية الخليجية لسياسة الأسر الحاكمة المتحالفة والمنبطحة تحت الإرادة الغربية بالتوجيه والتنفيذ .
3- تمادى القوى الغربية بالتدخل بشؤون دول الاتحاد واستمرار إنشاء القواعد العسكرية في كل دول الاتحاد مما يضعف السيادة للدولة على مقدراتها والتي هي بالواقع مرهونة بإرادات ومعاهدات غربية  .
4- استمرار الغزو الثقافي الاجتماعي الغربي لبعض الشخصيات الخليجية والتي هي نقطة رجوع في حال إذا كان هناك تغيير سياسي مستقبلي , وهذا الغزو يستهدف الثقافة والفكر العربي بالخليج .

الضرورة الفلسطينية والحاجة للاتحاد المشرقي .
كان للكيانات في بلاد الشام والرافدين دورا هاما في دعم الفلسطينيين في نضالهم منذ قرابة القرن من الزمان وهذا ليس بغريب فنبوخذ نصر وسرجون الثاني هم من أهم القادة التاريخيين الذين ومنذ ما قبل الميلاد الذين طردوا ثم سحقوا الوجود اليهودي في فلسطين والذي لم يستمر في أحسن حوالي إلى سبعة عقود, ففلسطين تقع من منطقة جغرافية تجعل منها قلب سورية الطبيعية محاطة بكل الاتجاهات بقوى بشرية اجتماعية اقتصادية تفاعلية تجعل منها أرضا وشعبا وسماءَ وبحرا بنكهة شامية سورية أصيلة تضرب جذورا متصلة منذ ألاف السنين مع هذه الوحدة  فالمنجل والمعول والفأس لم تتغير ولم تتأورب أو تتأمرك والوحدة الطبيعية هذه أرفدت نخوة وشهامة  لم تفتأ ولم تصدا بل واكبت التطورات التاريخية التي ألمت بفلسطين وكانت طرفا أساسيا في استئصال أي وجود استعماري بفلسطين مرورا بالحروب الصليبية وصولا للعصر الحديث والمعاصر والهجمة اليهودية الامبريالية التي بدأت بالهجرات الخبيثة نحو فلسطين لإنشاء وطني قومي لليهود !  لنجد سيلا من الأبطال السوريين ينهار على اليهود في فلسطين منهم الشيخ عز الدين القسام  وبعده القائد العسكري سعيد العاص قائد لواء الزوبعة وحسين البنا وقادة آخرون  أبوا إلا أن يكونوا جنودا من اجل تحرير فلسطين وطرد عصابات اليهود من فلسطين لم يكن هناك مانعا طبيعيا ولا سلكا كهربائيا ولا شائكا ولا زمان ولا مكان ولا جدارا يضع حدا بين الانصهار الاجتماعي الثقافي التراثي وبين تركيب سكان وثقافة فلسطين ففلسطين تدين ثقافيا اجتماعيا لمدها الشامي السوري والذي تترجم فيما بعد بمعارك حقيقية ساهم بها إبطال سورية لتتجلى الوحدة الروحية الاجتماعية , ففلسطين تحتاج أهلها وربعها وكيانها الكبير لكي يحضنها كل يوم ويرسم معها طريق التحرير , وعدو الإنسانية المتمثل بالامبريالية الغربية المتأصلة تحارب أي حديث من شأنه إحداث هذه الوحدة الطبيعية بل يحاول جاهدا لتمزيق كل كيان على حدة كما قال حضرة الأمين أسعد حردان " إن أمتنا مُستهدفة بالتقسيم والتجزئة بهدف إسقاط الحق القومي لمصلحة الأمن الصهيوني، وعناوين الاستهداف  توضحت باجتياح العراق 2003 بوصفه خزاناً وعمقاً قومياً، وبالحرب الالغائية المتجدّدة على لبنان المقاوم عام 2006 وعلى قطاع غزة 2008. ولما أخفق المشروع المعادي في تحقيق أهدافه من الاستهداف الآنف الذكر، نتيجة صمود المقاومة، بدأ في العام 2011 باستهداف الشام، الظهير القومي للمقاومة "


ولكن هناك ضرورات من شأنها الارتقاء بالعمل بهذا المجلس منها :
1- أن فلسطين لا يمكن لها أن تنسلخ عن حضنها وكيانها وأمتها  وشعبها ومدها البشري التاريخي .
2- أن اليهود من خلفهم قوى غربية امبريالية منظمة تسعى وتعمل بشكل يومي على تهويد فلسطين وخصوصا مدينة القدس  وتقتل وتدمر البشر والحجر والشجر .
3- يجب على القوى والجماعات والأفراد  في الشام الوافدين الإدراك بضرورة قيام هذا الاتحاد كمخرج حقيقي ووحيد للأزمة التي تمر بها المنطقة جمعاء .
4- يجب أن يكون هناك أفكار متينة تطبق بإرادة حازمة ابتداءَ من السوق الاقتصادي المشرقي الموحد  انتهاءَ بمجلس الاتحاد الفدرالي .
وكذلك تحقيق الوفاق بين الكيانات وإقامة تعاون دبلوماسي وثيق يقوم على أساس الحوار الفاعل و تحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية واتخاذ ما يلزم اتخاذه من وسائل لهذه الغاية، خصوصا بإنشاء مشروعات مشتركة و إقامة تعاون يرمي إلى تنمية التعليم على كافة مستوياته وصيانة الهوية القومية واتخاذ ما يلزم اتخاذه من وسائل لبلوغ هذه الأهداف .





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أبحاث ودراسات