السبت، 16 فبراير 2013

قِصـة مِنْ بَيْرُو حَاءِ صَبْر غَـزّةْ بقلم / هاني جودة


قِصـة مِنْ بَيْرُو حَاءِ صَبْر غَـزّةْ
بقلم  / هاني جودة
هل كان الفجر يوماً تُشقشِقُ بوادرهِ على غَزة العتيدة إلا وهو مبتسم ومعلق على صدرهِ وسام النصر وممسك بكلتا يداه اليمنى بندقية و اليسرى غصن زيتون أخضر من الزيتون الفلسطيني ؟ لهذا اليوم من حياة السيدة سُعاد صاحبة البيروحاء الغزاوي وقفت أتأمل بستانها من على تلةٍ عاليةٍ تكسوها أزهار الحنون الغزاوي تشرف على بَيْرُحَائِها  , ما استطعت حقيقة ً أن أعطي وصفا دقيقاً من جمال المشهد لكني أرى أمامي أجمل مكان في فلسطين بل أجمل مكان في العالم بيروحاء مقامة على ربوة سحرية أراها كالحصن المنيع وكالقلعة الشامخة تسر الناضرين من جمالها ومنعتها , جلست على كومةٍ من الحجارِِِِ على رأسِ تلتي وإذ بي أرى السيدة قادمة نحوي وهي ترتدي ثوبها الفلاحي صلبة القائمة ممتشقة الهامة تمضي بعزة عظيمة وشموخ معهود من النساء الغزاويات وما أن رأتني هذه الكنعانية حتى دعتني للدخول لبيرو حائها والجلوس في رحابه لتحكي لي حكايتها من عمق قلب صبرها , وقفت معها واقتربت أكثر استوقفني كثرة نبات الصبار الذي يحيط البستان فسألتها عنه فقالت لي لم ترى للصبر شيء فامضي دخلنا البيروحاء فاستقبلني أبنائها صابر وصبري وصابرين وصامد ورحبوا بي وانطلقوا لأعمالهم , أرى نفسي هنا قد دخلت جنة نباتية تحيطها أشجار الصبار ويتوسطها بئر جوفي عذب من ما تبقى من المياه التي سرقها الصهاينة من مياه غزة قبل انسحابهم وأصناف منوعة من أشجار الزيتون والحمضيات , أجلستني أم صابر في إحدى عرائش بيرو حائها وابتدأت حكايتها بالحديث عن زوجها الشهيد أبو صابر وعن استشهاده بهذه البيروحاء وهو يحاول منع الصهاينة من الدخول لبستانه , جاءت لي صابرين بالقهوة بينما كان صابر يعد لزراعة أشتال جديدة من الزيتون والبرتقال ,,, قطعت سكوني أم صابر وهي تطحن بطاحونتها شيء من الذرة لإطعام مواشيها وقالت أيا العربي لا تكن في سكونك هذا واعلم أن هذه الأشجار قد جرفت خمسة مرات وهانحن نعيد زراعة بستاننا , في كل مرة تأتي الجرافة الصهيونية نحو أشجار الزيتون ولا تبقي منها شيء ونعيد زراعته ثانية وهكذا وهذا شجر الصبر الذي تراه تخاف منه الدبابة والجرافة  لكثرة أشواكه وكثافته فهو شوكة صعبة وقوية  في حلوقهم . البقاء هنا نستمده من قوة صبر بيرو حائنا , وهذا البئر ظن الصهاينة أنه سينضب لكنه يزداد عذوبة وصفاء وتزداد مياهه وهذا صبري ولدي الذي أراه يافع وقوي ما كبر وأصبح هكذا إلا من نعمة هذا البستان وثماره الطيبة , إن بستاننا كتب لنا أجمل لوحة بقاء وعطاء وصبر ونحن نمتلك له الفداء والتضحية وهذه الطاحونة التي بيدي عمرها الآن أكثر من 100 عام  قبل أن نرى هؤلاء الصهاينة الأنجاس في بلادنا اشتراها والدي من سوق قرب منطقة الفواخير وهي لليوم تكتب تاريخا أكبر من تاريخ كيانهم , البستان مدرسة صبر كبيرة علمتني أن أكون صبورا على الشدائد والمصائب , و علمتني أن أرضي طيبة بطينها وترابها  قادرة على الإنبات في كل الظروف , علمتني البيروحاء أن صبري هو مصدر صمودي وسر انتصاري وعنوان بقائي ,,,   فقلت أنا هنا فعلا في عاصمة البقاء العربي في بيروحاء غزة 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أبحاث ودراسات