السبت، 16 فبراير 2013

القدس هي البوصلة بقلم هاني جود


القدس هي البوصلة

 بقلم هاني جودة


غاب عن الأذهان مركز البوصلة في دائرة الصراع العالمي لم تحضر القدس في عقولنا ونفوسنا كما يجب ربما أن ويلات الأمة وما يحاك لها من مؤامرات متتالية قد جعلتنا نبحر بعيدا في صراعنا مع الامبريالية الغربية الصهيونية وقد تجلى ذلك حقيقة بمتابعاتنا العميقة لخبرين متجددين هما :
1- الثورات العربية ومصيرها ومن الصاعد ومن النازل  والانتخابات والأوضاع في الشام وعامل الثورات هذا قد شغل كل مواطن عربي كل ٌ في قطره وبلده وكيانه وقد مُلئت عقولنا ودخلنا في مهاترات وتدخلات أمريكية صهيونية مباشرة تمس حال الثورات وتوجهاتها وطرق دعمها , وقد استفحل التدخل الأمريكي المباشر والغير مباشر في شؤون هذه الثورات دعما وتوجيها بناءً على الرغبات الصهيونية يحاولون بذلك امتطاء أي تحرك جماهيري بل وإشعال الفتيل حتى تدخل في مواجهات دموية تنتهي بتحقيق مرادهم وقد هب الكثيرون من أبناء أمتنا والعرب عموما وبكل ثقلهم فكريا نحو تفسير الظواهر في البلدان مع عدم مراعاة أن المركز العام للبوصلة في الصراع القومي العربي الغربي الصهيوني هو القدس , وقد انتقل الحال عموما للاهتمام بالقضايا المحلية بشكل كامل دون تحمل أي مسؤولية ولو بالدعم الروحي الفكري النفسي وقد أجاب الدكتور رائد الغنوشي في احد المؤتمرات : ماذا ستفعلون حيال تمادي الاستيطان والتهويد في القدس والحفريات تحت المسجد الأقصى  فقال حرفيا : " الآن عندي أكثر من مليون عاطل عن العمل " حتى إننا لم نسمع منه ولا من غيره من قيادات الثورات العربية  كلمة دعم لأهلنا المرابطين في القدس بل للأسف ذهب الكثير منهم لتقديم ضمانات حول اتفاقيات السلام !! إذا لماذا قامت هذه الثورات .؟ وما هو مكان هذه الثورات من مركز الصراع.؟
2- الحصار المستمر منذ ستة أعوام على قطاع غزة وكل ما يحصل في غزة من قصف وقتل وبربرية همجية صهيونية وتجويع والنقص في الأغذية و كل المحروقات وغاز الطهي ونقص الأدوية وإرهاب الدولة المنظم بكل إشكاله الوحشية ضد مواطنين عزل , والمناكفات السياسية الغير متناهية بين حركتي حماس وفتح والمصالحة المتعثرة.
نعلم تماما ما تمثله غزة من قلعة صمود في وجه كيان البغي والظلم  وما تمثله غزة من محورية ميدانية قيادية للفصائل الفلسطينية وحيوية العمل ألفصائلي , لكننا يجب أن نستثمر كل جهد وصمود من أجل القدس مركز الصراع ويجب أن يرفع اسم القدس سياسيا وفكريا فعليا في كل اتجاه من صراعنا ونضالنا بكل الأشكال , وما يواجه أهلنا في القدس أضعاف أضعاف ما يواجهه أهلنا في غزة , ونذكر هنا أن كيان الإرهاب إذا تنازل عن غزة وأريحا في توراته حيث يعتبرهما مدينتان ملعونتان  فانه وبالمقابل يجعل من مدينتنا المقدسة عاصمة له وهو بذلك يكرس انتزاع مدينة السماء من أهلها وسكانها التاريخيين .
ذهبنا باهتماماتنا نحو هاذان العاملان مع بالغ أهميتهما إلا أنهما يبدأن وينتهيان من مركز الصراع الأول.


اليهود والقدس

القدس مدينة عربية النشأة أصيلة التراب أسسها العرب اليبوسيين قبل ستة آلاف عام  ولا علاقة تأسيسية ولا دينية ولا مكانية ولا زمانية لليهود في القدس سأتطرق بالاستعانة لنصوص توراتية من قلب الديانة التي حرفوها  تؤكد ان اليهود غرباء عن فلسطين وعن القدس خصوصا .
ابتدأ السرد بكلمة تحدث بها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو فقد قال نتنياهو خلال جلسة للكنيست بمناسبة احتلال كيان الظلم  للقدس الشرقية 1967، أن القدس باسمها العبري "صهيون"، وردت 850 مرة في التوراة، أو العهد القديم كما يعرف الخمس أسفار الأولى .
وأضاف "بالنسبة للمرات التي ورد فيها اسم القدس في الكتب المقدسة للأديان الأخرى أوصيكم بأن تراجعوا هذا".
واليكم شيئ من التلمود  يرى الرّبانيون التلموديون ، أنّ جمع اليهود في فلسطين هو من منجزات العصر المسيائي، وفي المجموعة التي تضّم الأقوال الحكيمة للرّباني "أليعازر" نقرأ شيئاً مماثلاً :"الواحد القدّوس تبارك اسمه هو المقّدر له أن يجمع بني إسرائيل من زوايا الأرض الأربع ، وكما ينقل البستاني غرساته من تربة إلى تربة أخرى فإنّ الواحد القدوّس تبارك اسمه سوف ينقلهم من أرض : دنسة إلى أخرى طاهرة ".
والتلموند هو الديانة الشفوية التي سجلت بعد التوراة من فهم الأحبار والحاخامات وأذكر هنا ان التوراة كتبت بعد موت موسى بي 600 عام وكان وقتها اليهود في بابل بعد السبي البابلي .
وتؤكد لنا التوراة غربة اليهود عن القدس:
 في سفر القضاة 11:19 و 13 تجد قصة رجل غريب وفد مع جماعة له إلى مشارف (يبوس) “.. وفيما هم عند يبوس والنهار قد انحدر جدا، قال الغلام لسيده : «تَعَالَ نَمِيلُ إِلَى مَدِينَةِ الْيَبُوسِيِّينَ هذِهِ وَنَبِيتُ فِيهَا». فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: «لاَ نَمِيلُ إِلَى مَدِينَةٍ غَرِيبَةٍ حَيْثُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُنَا. ” «وَقَالَ إبراهيم لِعَبْدِهِ كَبِيرِ بَيْتِهِ الْمُسْتَوْلِي عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لَهُ: «ضَعْ يَدَكَ تَحْتَ فَخْذِي 3 فَاسْتَحْلِفَكَ بِالرَّبِّ الَهِ السَّمَاءِ وَالَهِ الأرض إن لا تَاخُذَ زَوْجَةً لِابْنِي مِنْ بَنَاتِ الْكَنْعَانِيِّينَ الَّذِينَ انَا سَاكِنٌ بَيْنَهُمم 4 بَلْ إلى ارْضِي وَالَى عَشِيرَتِي تَذْهَبُ وَتَاخُذُ زَوْجَةً لِابْنِي اسْحَاقَ ».( تك ، 4-3 : 24 ) وهذا يؤكد أن ابراهيم عليه السلام كان غريبا فردا في أرض كنعان ألم يكن بإمكانه فيما لو كان هناك يهود من عشيرته تزويج ولده من إحدى بناتهم بدلا من إرسال عبده إلى أرام النهرين لجلب عروس لابنه من هناك فلا يفرح بزواج ولده الوحيد؟ . هل من مزيد ؟!! تقول نصوص التوراة : « وَتَغَرَّبَ إبراهيم فِي ارْضِ الْفَلَسْطِينِيِّينَ أياماً كَثِيرَةً ».( تك ، 34 : 21 ) . « وَسَكَنَ يَعْقُوبُ فِي ارْضِ غُرْبَةِ أبيه فِي ارْضِ كَنْعَانَ» ( تك ، 1 : 37 ) . « وَجَاءَ يَعْقُوبُ إلى إسحاق أبيه إلى مَمْرَا قَِرْيَةِ أربع (الَّتِي هِيَ حَبْرُونُ) حَيْثُ تَغَرَّبَ إبراهيم وإسحاق». ( تك ، 27 : 35 ) .
ويقول غوستاف لوبون : … غير أن استقرار العبريين بفلسطين تم بالتدريج على ما نرى، فالعبريون قضوا زمناً طويلاً ليكون لهم سلطان ضئيل في فلسطين لا أن يكونوا سادتها. ويضيف : وفي فلسطين كان يعيش اليبوسيون …، وكان السلطان في فلسطين للفلسطينيين … ، وكان ذلك حتى عهد داود . ولم تكن لهؤلاء اليهود لغة، أو ثقافة، أو حضارة خاصة بهم، وإنما كانوا يقومون على تراث كنعاني بحت


بعض ما يعانيه أهلنا في القدس.

في هذه الفقرة أبدأ للقارئ الكريم بمثل بسيط حول الملكيات في المدينة المقدسة حيث تبلغ ملكية اليهود في المدينة حوالي 80% وما نسبته 20% للعرب الفلسطينيين وقد اخذت ملكيات اليهود بالاحتيال والقهر والطرد ابتدأت بقانون املاك الغائبين والان بالطرد والاكراه , وترسل بلدية الاحتلال يوميا اخطارات هدم ومصادرة للسكان العرب وتعمل الي جانب عصابة الهيكل المزعوم  وبكل همجية ضمن دوائر استعمارية تبدأ رسمها من الحرم لتشمل كل المدينة المقدسة وضواحيها, الى طرد السكان واغراء البعض بأموال هائلة تعويضية بمقابل ترك ممتلكاتهم.
فليس من العجب ان تجد مئات المنازل قد اشترك في ملكيتها قسرا سكان عرب ويهود  بقرار من المحاكم اليهودية وبتفيذ جبري من شرطة الاحتلال  فتكون الفرصة بذلك اقرب لليهود لمماركة كل انواع العنف والفساد والتنكيل بشركائهم في المنزل من العرب وغالبا ما يمتطي اليهود الأدوار العلوية ويقطعون الماء وكل وسائل العيش عن العرب , وتشهد البلدة القديمة  اهتمام خاص  كونها في الدائرة الأولى القريبة من الحرم , يرابط أهلنا المقدسيين في هذه المدينة رغم التهويد والطرد والتشريد الممارس عليهم منذ انشاء كيان الاحتلال عام 1948 وبعد انسحاب القوات العربية في نكسة 1967 بدأت عملية مصادرة وطرد جماعي  وتعكف الهيئات والجمعيات والعصابات اليهودية منذ ذاك التاريخ على تنظيم مسيرات داخل الاحياء العربية وتقوم بالاعتداء  بالضرب والسرقة حتى يجبروا السكان على الرحيل بحماية كاملة من الشرطة الاحتلالية .
المعالم اليبوسية الفينيقية ضربت جذورا راسخة في هذه الأرض وتعمل العصابات اليهودية ليل نهار على تزوير وتزييف وطمس المعالم العربية التراثية للمدينة بل وهدم أجزاء من ابواب المدينة العتيقة وسورها الشامخ بحجة تعديل مسار شارع أو شق شارع جديد مؤدي الى الحي اليهودي .
أي صرخة نتحدث عنها في مدينتنا العربية ؟ اي الم نوصفه لسرقة وتهويد أرضنا العربية في القدس .؟
لا امتلك هنا الا ان اتذكر قول الشاعر :

رشف التراب شذى الدماء مفاخرا * * * فالنصر غرس يرتوي بدماء.
نحن لا نملك القدس فالقدس هي مقر الحكومة اليهودية وبها بيوت كبار قادة الاحتلال وبها القنصليات الرسمية لمعظم الدول الداعمة للصهيونية وبها الجمعيات والهيئات اليهودية المدعومة من كبار رؤوس الأموال اليهود والصهاينة في الولايات المتحدة والموجهة للعمل أولا لتهويد المدينة وطرد السكان العرب ثانيا لدعم مشاريع الاحتلال في فلسطين والمنطقة .
نحن لم نضع القدس على سلم أولوياتنا في اعلامنا وفي حربنا الفكرية والوطنية الشاملة مع قوى الهيمنة والاستعمار في المقابل يسخر كيان الارهاب كل ما أوتي من قوة لتهويد المدينة وشطب هويتها العربية , لذلك فالقدس هي المركز الأول الذي منه نحدد اتجاهنا نحو اي قضية لانها المركز الأول الذي يفكر به الاحتلال استيلائا وسيطرة ولأنها عاصمة الأرض وبوابة السماء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أبحاث ودراسات